الدولة : عدد المشاركات : 73740 نقاط : 111480 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 36 الجنس :
موضوع: أخطأت وتابت".. السبت فبراير 06, 2010 4:06 pm
أنا صاحبة مشكلة "أخطأت وتابت"..
جزاكم الله خيرا على جهودكم، وجزى خيرا كل من اهتم لأمري من القراء، جزاهم الله خيرا ووقاهم وأهليهم السوء والفتن.
إنني لا أجيد مهارات إدارة الذات عند الانفتاح على الآخرين، برغم أن الناس يرونني اجتماعية، وأعلم أنني أجيد عملي جيدا، وأجيد إدارة المشاكل فيما يتعلق به، إلا أنني أرى الناس من حولي يجيدون الحكم على الآخر من مواقف قليلة ويتعاملون مع كل شخص حسب طبيعة شخصيته، لكنني أستغرق شهورا لمعرفة ما عرفه الناس من بضع مرات في التعامل.
ورثت عن أبي كرهه للمشاكل وابتعاده عن كل ما يثيرها حتى إن كان فيها نفع أو مصلحة، حتى وصلت به الأمور أن انسحب من مشاكل تربية الأولاد تاركا كل المسئولية على كاهل أمي، وأنا أرى نفسي صورة مصغرة منه، لكنني لا أريد أن أستمر هكذا، أريد أن أكون مقاتلة كأمي، ولكن طبعي يغلبني في كثير من المواقف، أرى في ذلك أحيانا فائدة في أن الناس يحبون التعامل معي؛ لأنني أتغاضى عن الكثير من أخطائهم كأبي، في حين أن أمي ما كانت لتصمت دون أن تحاول التصحيح مع أن ذلك يجلب لها الكثير من المشاكل.
فكيف أفعل ذلك؟
أما خطيئتي فقد مضى حتى الآن ما يزيد على 4 أشهر لم أتواصل مع زميلي بأي شكل من الأشكال (فيما عدا اتصالين بالهاتف قام هو بهما يشهد ربي أنهما كانا في أمور مهنية بحتة استغرقت بضع دقائق، ولم يتجاوز أي منا فيهما حدود الشرع في التخاطب) طلبت منه عدم الاتصال بي، محوته من قائمة الماسنجر، ولم أره من قبل ذلك.
ولكن سيدي ما زالت الهواجس والوساوس تأتيني بشأنه، أتذكره في عديد من المواقف وكلما ذكر أحد الحضور اسمه، ما زلت أجاهد نفسي لأمنعها من التفكير به، امتنعت عن سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام؛ لأنني أعلم أنها ستثير بداخلي ما أحاول نسيانه، أجتهد بصوم النوافل، ولكن تلك الوساوس تورثني اعتقادا بأن الله لم يقبل توبتي، أوليس بقادر أن يبعدها عني إن علم صدق توبتي؟
عندما أدعو أن يغفر الله لي فإني أدعو له معي أيضا، فهل يطعن ذلك في توبتي؟
تقدم الآن لخطبتي شاب يحمد أخلاقه الكثيرون، ويكافئني علميا. لم أتحدث معه كثيرًا، ولكن من تلك المرات القليلة يبدو حسن خلقه (ولكنني كما قلت لا أجيد الحكم على الناس من بضع مرات)، ربما لو كان تقدم لي قبل أن أفعل ما فعلت كنت وافقت؟
ولكنني الآن أجد نفسي مترددة، تلوح أمامي صورة من أخطأت معه بوسامته وحنانه، فأخشى أن تظل تلك الوساوس معي فأظلم ذلك الإنسان الذي يريد الزواج بي، وأنا لا أريد ذلك، وفي أحيان أخرى أقول لنفسي إنه إن كان هذا الإنسان فعلا خلوقا متدينا، فهل يمكن أن يرزقه الله زوجة أخطأت وتابت قبل أن تتزوجه؟
تفكيري مشتت بين رغبتي الدفينة أن يكون زوجي إنسانا صالحا يساعدني على نفسي الإمارة بالسوء، وخوفي من أن أظلمه إن كان فعلا صالحا بتلك الهواجس التي ما زالت تؤرقني، أو أن يكون هو عقاب الله لي على ما فعلت. أعتذر لإطالتي، ولكنني أعلم رحابة صدركم، فماذا أفعل؟ أفادكم الله..
الحل
الأخت الكريمة.. شكرا لك على ثقتك الغالية ومعاودة الإرسال إلينا.. ونسأل الله أن يجعلنا على قدر المسئولية، وأن يلهمك من أمرك رشدًا ثم يثبتك عليه..
بخصوص قدراتك التي ترين أنها محدودة في اكتشاف شخصيات الآخرين من المقابلة الأولى وسبر أغوارهم، فلا شك أن هذه السمة تعد إحدى المهارات التي يتميز بها أشخاص عن آخرين، إلا أنها تتكون أيضا من تراكم خبرات حياتية، وفنون اجتماعية مكتسبة نتيجة التعامل مع قطاع أوسع من البشر المنتمين لمجالات ومستويات وطبائع مختلفة.
لذلك فإن هذه المهارة تكتسب، ويمكنك تنميتها في داخلك، وطبعا ذلك لا ينفي عامل وجود دور أبوي فاعل تقولين أنت إنك افتقدتِه داخل كيانك الأسري، حيث يتعلم الابن من الأب بشكل أساسي مهارات التواصل والتفاعل والكياسة الاجتماعية، غير أن العزاء أنك الآن في معترك الحياة، وما تمرين به من شأنه أن يضيف إليك أدوات وآليات جديدة للتعامل وفهم ظروف محيطك الاجتماعي.. ويجب عليك أن تعملي تلك المهارة عند الحاجة إليها.. فلست مضطرة لقراءة تفاصيل كل شخصية تقابلينها في حياتك، لكن افعلي ذلك فقط مع هؤلاء الناس الذين لك معهم تواصل مباشر وتعاملات ضرورية، وكلما يستدعي الأمر.
وهذا يقودنا إلى فكرة العفو والتغاضي عن أخطاء الآخرين، وهذه صفة مطلوبة ومحمودة طالما بقيت في إطارها الطبيعي، فهناك من الأخطاء والتجاوزات التي يجب الوقوف عندها، طالما أنها لم تحدث بحسن نية أو دون قصد.. ففارق كبير بين سمة العفو، وتلك المرتبطة بالعجز عن دفع الإساءة أو الاحتفاظ بالحق.
واعلمي أن لكل إنسان حمى وحدودا وخطوطا حمراء، يحددها لنفسه، وفق الضوابط المعروفة والمشروعة للعلاقات الإنسانية.. ويسمح للبعض بالاقتراب منها أو تخطيها، فعليك أن تحددي أيا من المحيطين بك يستحقون أن تضيفيهم لهذه القائمة، وما هي المسائل التي تستطيعين أن تسامحي تجاهها.. طبعا شرط ما سبق أن تكون تلك التدخلات أو التجاوزات بحسن نية، أما دون ذلك فيكون الحديث بقدر الحدث، ولكن بحكمة، ودون اتخاذ قرار أو رد فعل تحت ضغط الغضب.
أما بالنسبة للهواجس وما تسمينه أنت وساوس العلاقة السابقة، فلا أراها إلا فرصة لتأكيد توبتك، واختبارا لك لمعرفة مدى ثباتك على الطريق، فيمكن أن تعتبري تلك الوساوس ابتلاء في التوبة.. ترى هل ستثبتين؟
ثم من قال إن الوساوس العقلية أو القلبية ترتب آثارا أو عقابًا طالما بقيت حبيسة النفس لم يفعلها الشخص أو يحدث.. لقد مرت 4 أشهر دون أن تعودي لتلك العلاقة، ودون أن يحاول هو أن يطلبك كزوجة.. أليس هذا دليلا كافيًا على عبثية ما كان من شأن العلاقة، وأنه لحسن حظك أنك تخلصت منها.
بخصوص دعائك لزميلك "بظهر الغيب" دون أن يكون مغلفًا بمشاعر الافتقاد والحنين، فمن قال إن دعاء المسلم لأخيه يضرب في صلب التوبة وصحتها، لكن في حالتك يعد سدًّا لمداخل الشيطان، ولإملاءات الهوى ألا تذكري ذلك الشخص حتى في دعائك، ويكفي ما سبق من دعاء، فالله سبحانه مطلع عليه، وسيحاسبه على نواياه إن لم يغفر له ويرحمه، فعليك أن تنشغلي بالدعاء لنفسك، وإعادة بناء علاقتك مع ربك، إضافة لما اتخذته من تدابير وقائية لإغلاق منافذك أمام احتمالات الخطأ والانقلاب على العقب.
أما فيما يتعلق بالرجل الذي تقدم لطلب يدك، فعليك أن تتعاملي مع المسألة بشكل منبت الصلة تمامًا عن تجربتك السابقة، أنت تقولين إنه شخص يشهد له الجميع بحسن الخلق، وهو يناسبك تمامًا من حيث المبدأ.. وهذا جيد جدًّا... لكن عليك أن تسلكي كل طرق الاستفسار والتحري عن ذلك الرجل قبل أن تقرري.
خشيتك من عدم صواب حكمك على ذلك الشخص يعذبك.. ومن قال إنك وحدك المسئولة عن الحكم عليه؟! إن الاختيار كما هو مسئولية البنت مسئولية الأسرة في الأساس، فيجب أن يشاركك الاختيار أسرتك، ومن ترينه أهلا للثقة من أقربائك، ثم بعد ذلك دعي لفترة الخطبة مهمة اختبار صحة الاختيار أو خطئه.. وبالقطع قبل ذلك وبعده استخارة المولى وتوكلك عليه.
ربما يكون الحل الأمثل لمعاناتك، هو الارتباط بذلك الرجل طالما تأكدت من مناسبته لك.. ولكن لن يتحقق النجاح الكامل إلا إذا طويت صفحة الماضي بشكل تام من كتابك، وألا تعودي لقراءتها أبدًا.. وابدئي صفحتك الجديدة بآمال جديدة تدعمها الثقة في الله، وعدم الحنين للماضي بل الندم عليه.
في النهاية.. تذكري أنك قطعتِ ثلاثة أرباع الطريق نحو التعافي من آلام تجربتك السابقة، ولم تبق سوى خطوات قليلة لتكمليه.. تُرى هل ستتخطينها أيضا بنجاح؟ أم أنك تفضلين العودة للخلف؟!
الرئيسية
الدولة
