الدولة : عدد المشاركات : 49757 نقاط : 58030 تاريخ التسجيل : 24/12/2009 العمر : 31 الجنس :
موضوع: حينما تبكى الدموع الثلاثاء يونيو 15, 2010 11:12 am
رجلاً يخرج .. وامرأة تدخل .. وفتاة تتحدث ...وطفل يركض .. هنا ضجيج في مكتب البريد... أصوات فتح صناديق .. دوران مفاتيح .. خطوات .. ضجيج هنا ضجيج .... تلتقي بطبقاتٍ من البشـر .. أغنياء .. ميسورين .. متوسطين .. فقراء .. وتلتقي بأجناس مختلفة .. وأعمار متفاوتة ... دخل رجل اعتدت أن أراه كل شهر حاملاً معه رسالة ويضعها في صندوقه وكان ما يشدني به انه شبه متخفّي بملابسٍ رثّة .. ويأتي بعد أقل من أسبوع بشكل آخر بشوش ويأخذ الرسالة من جديد.. كان يصيبني ذهول .. صندوقه ويضع به رسائل ويعود لأخذها .. الذي أعرفه أننا نحن من يملئ الصناديق بالرسائل الجديدة .. ولكني أرى أنه هو من يضعها وهو من يأخذها .. حتى أني لم أرى قط أحداً يفتحه غيـره ... بدأ يشتد الفضول لدي .. حتى تلك الليلة ...
- " ألم تنتهي من عملك؟!" ... رددت -" لا .. بقي بعض الأوراق .. اذهب أنت لا عليك مفتاح المكتب معي".... خرج .. ويا ليته لم يخرج .. لألا يجتاحني الفضول ...أنهيت عملي ... مفاتيح الصناديق معي .. لم لا أطّلع على الرسائل وأروي فضولي .. بحثت عن مفتاح صندوق رقم "108" وخطواتي ترجوني بعدم خيانة ما استأمنت عليه .. ولكني لم أعرها بالاً .. لأروي فضولي فقط... وصلت وفتحت الصندوق وأطرافي ترتجف .. لو رآني أحداً سأفصل من العمل حالا ... أخرجت الأوراق وركضت للمكتب وبدأت بفتح الرسائل بعناية ...
:: الرسالة الأولى :: :: طفلتي .. دمتِ لي .. محبة .. مرّت سنة لم تلتقي أعيننا .. مرّت سنة لم أعش بعدها .. طفلتي .. حروب ثارت من بعد رحيلكِ .. ولم أشعر بها .. طفلتي .. سؤال حائر .. أستبقي طفلة يداعب الهواء خصلات شعرها ؟!! ... أم ستكبرين يا طفلتي .. دمتِ لي محبة .. ::
:: الرسالة الثانية :: :: أكتب لكِ .. وأنا تحت الثرى .. بتابوت الحيـاة المنغلق .. صغيرتي .. أعتدت مسح كفي على بشرة وجنتيك المخملية في صباح الأعياد ... لكنـ شاءت الأقدار .. أن لا أراكِ .. حفلات راقصة .. تمنيت أن أراقصك بها .. موسيقى صاخبة .. تمنيت رأيكِ بها ... سوط يضرب قلبي حينما تلاشت صورتكِ من مخيلتي ... أبعثي لي جديد صوركِ .. لأراكِ ... كل عام وأنتِ بخير .. :: وتتالت عدة رسائل بعدها .. بتشابه الفكرة ولكن باختلاف المضمون...
:: الوداع :: :: غيوم سائرة في السماء.. ثلوج متساقطة .. شمس مختبئة.. ركون بيت ضمّك يوماً من الأيام ودّع الحيــاة ... لا تقلقي .. ودعتها قبل أن أفقد ذكراك ... وسُقيت من السموم ما كفاني .. لأموت وداعاً ........
لم أفهم شيئاً ..يرسل لابنته .. حسن لماذا يعود لأخذها .. هل يؤلف كتاب؟! .. ربما !! .. ولكن لماذا يضعها ويعود لأخذها .. حتى سمعت صوت خطوات لملمت الأوراق ووضعتها بالدرج .. حتى أتى هو ويداي ترتجف ... "غريب ألم تغلقوا ؟!"... بلعت ريقي بصعوبة " بـ .. بلا .. و و و لكن انشغلت بعض الشيء "... - " جيد .. أردت بعض الرسائل من صندوقي"... شكله يوحي بالإجرام .. لو .. لو علم أني أخذتها سيقتلني لا محالة ... - " لا ... لا يسمح بفتح الصناديق الآن " ... - " يا رجـل .. لا تكن دقيق المواعيد " وسار ناحية صندوقه .. ويلـي .. وضع المفتاح وأداره .. وتصاعدت أنفاسي ..وتلوّن وجهي بألوان الطيف .. خوف اجتاحني .. حتى فتحه ولم يجد شيء ... خيّل لي أنه سيمسك بي ويقتلني ... ولكنه التفت باندهاش - "غريب .. أين الرسائل ..؟! " - " أية رسائل .. قد يكون شخصاً آخر يملك المفتاح وأخذها" - " ربما .. او لا .. لم يأخذها ؟!".. أصابه شعور بالقلق .. والخوف على الرسائل .. وخوفٌ على شيء آخر لم أعلم ما هو... تكلمت بهدوء " ما بك ؟!" - " أين ذهبت الرسائل .. أقسم أني سأصاب بجنون " ظلّ يغدو ويروح قلقا .. ويفرك كفيه .. فبادرت بالحديث .. لن أكون نذلاً .. فالأوراق تهمه لأخبره وليحصل ما يحصل.. -" هل لي أن أحدّثك بهدوء " هزّ رأسه إيجابا ... فأخبرته بما حصل ... وأنا أردد "ومن الفضول ما قتل" ... وما إن سكت .. حتى قهقه بصوتٍ عالي ... -" يا رجــل !! .. إني أنا وأخي توأمان .. يضع الرسائل .. فآتي لأخذها ... ولا غريب في الموضوع ..." وبجدية قال " ربما الاختلاف فقط .. بأنه أصيب بتشوهات إثر حادث ".. أصبت بدهشة .. توأمان !! .. حقاً لم أدقق يوماً في الملامح ..فقط رأيتهما من الشكل الخارجي... طلب مني الرسائل .. فأعطيته قرأها بشكل سريع .. حتى تهكّم وجهه عند قراءة آخر رسالة ... صرُخ - " غبــي .. أبله .. مجنون ".. أنت المجنون .. هل يصرخ أحداً بهذا الشكل في ليل داج !!؟ ... وجدته يركض خارجاً .. خرجت خلفه وأقفلت الأنوار والمكتب .. ولم أجد نفسي إلا لاحقاً به .. حتى وصلنا إلى بيت قديم ... دخلنا نمضي بين الممرات والدهاليز.. حتى اقتربنا على ما أظن حجرة توأمه ... فتح الباب بمفتاحه....
وقف حينما رأى أشخاص يتحدثون .. وذهب إليهم سمعت أصوات صارخة ... "وافته المنية" ..." البقاء برأسك"..." كاذب" .." لم يمت" ... دخلت وما زالت علامات التعجّب قائمة فوق رأسي.... جدران حجرة متشققة وكأنها ضاقت بها الذكريات البائسـة .... إنارة خافته .. هدوء عارم ... دفء بين حنايا هذه الأركان ... سرير .. ومكتب صغير ... وقلم .. شتات أوراق مترامية ... مسكتُ ورقة موضوعة على المكتب .. وكأنها لم تكتمل ...
:: طفلتــ!!ــي:: عاصرت الآلام بغيابك .. طردت الأحلام .. قتلت الأيام .. كرهت دنياي ... طفلتي .. بتّ بشر من غير البشر .. صنّفوني من بني الإنس ولا أرى أني منهم ... مسمى إنسان ! .. أعيش بلا طعام .. ولا منام .. فقط لكي لا يشغلني شيئاً لأفكر في غير عيناك .. ولا خدّاك المتوردان... حملت جثمان الفرح من بعد رحيلك .... في يومٍ اختفت به قسمات وجهي .. لأصبح رجل موحش بنظرك.. في يومٍ خرجت به من المستشفى لأعانقك .. أراك تنفرين وتهربين من بين أحضاني... حاولت .. وحاولت .. ومن ثم حاولت أن أقنعكِ أني ذلك الشخص الذي كنت يوماً يدفع بك الأرجوحة .. ويشتري لك الحلوى .. ويداعب الدمى لأجلك ... ولكنكِ زدتِ نفوراً وهربا وكرها لي .. وخوفاً وهلعا وذعراً مني ... أرى دموعك تتساقط .. بدلاً من أن أأتي وأمسحها وأقتل من كان السبب بخروجها ... أجد نفسي أراك ببعد .. وأُقتل لأني أنا سبب تلك الدموع !! حقاً ..اختلفت ملامحي .. ولكن روحي لا زالت تعشقكِ ... كرهتِ الرؤية بوجهي لأسباب خارجة عن إرادتي .... ما ذنبي !! أرادوا أن يبعدوكِ عني .. لأني رجل غير صالح لأن أكون أب .. وأدبّ الرعب في ابنتي .. نعتوني بالإجرام .. لأني أريدكِ وأريد أن تختلط نفساتي مع نفساتكِ .. وأريد لبريق عينيك تلتقي بعيني .. وأبيت أنا مغادرتك .. ولكنهم غدروا بي ورحلوا بك .. برضاء منكِ .. رحلوا بكِ .. واعتقدتِ أن أخي أباكِ .. وأني إنسان عابر مشوّه ... إنسـان .. سلبوا منه ابنته لأنه مشوّه .. ذهبوا .. ورفضوا أن يخبروني أين تقطنين .. خوفاً أن أفاجئهم يوماً أطرق بابكِ ... تمنيتُ بقاءكِ بجانبي ... ولكن حكم الأقدار .. أن تصلك رسائلي عبر صناديقٍ صدئة .. وعبر توأم لي .. خيّل لكِ أنه أباكِ .. وحكم الأقدار أن أُحرم حتى منكِ وأراكِ فقط بصورة .. جمعت النقود .. ليشقّوا وجهي .. ويبحثون عن ملامح جديدة .. لأجلكِ فقط ... ولكن وافتني المنية قبل أن يأتي ذلك اليوم .. قتلت برصاصة الحرمان .. دفنت في مقبرة الفراق ... قتلتِ أباكِ يا صغيرتي .. بمسدسٍ غادر .. أعلم يا صغيرتي أنكِ لم تعلمي .. أني أباكِ .. ولا تستحقي العتاب .. ولكني أشعر بأسى ... ولكنـ !! أخبروني .. أنهم سيخبرونكِ يوماً أني عشقتكِ بجنون .. وأني أنا ذلك الرجل الذي نفرتِ منه يوماً .. أخبروني أنهم سيعطونكِ كل رسالة كتبتها لكِ.. سيخبرونك أن أباكِ الحالي مجرّد تطابق مع ملامح أبيكِ .. ولم تتطابق الأرواح ... محبّتي .. رحلتِ .. ورحلت الحيـاة .. شقيتُ ما بقي من العمر .. ورحلتُ أنا .. ولم أودعكِ .. كما ودعتني .. عذراً طفلتي ... سأفارقكِ قبل ألقاكِ وأعتذر لكِ ..