|| الأدب الساخر || كتابات أدب ساخر لأحمــد رجــب ||
كاتب الموضوع
رسالة
زهرة
~¤ô¦§¦ ادارة المنتدى ¦§¦ô¤~
الدولة : عدد المشاركات : 73740 نقاط : 111480 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 36 الجنس :
موضوع: || الأدب الساخر || كتابات أدب ساخر لأحمــد رجــب || الثلاثاء ديسمبر 14, 2010 4:09 am
الأدب الســاخر
ألم الناس ليس مادة للكتابة، لكن حينما يتعلق الأمر بالكتابة الساخرة فهناك مسوغات كثيرة للكاتب، يعلّق عليها أملاً بالتغيير أو التبصير بالواقع بطريقة ساخرة خفيفة. السخرية ليست هدفاً بقدر ما هو التعبير عن الآلام والأحلام وحزن الناس والأحداث، وأمور الحياة اليومية.
يعبرون عن الآلام والأحزان بطريقتهم الخاصة، ويقدمون هموم مجتمعهم على شكل ابتسامات ومفارقات، ربما لأن الانسان لا يستطيع العيش حزينا طوال الوقت، وفي عصرنا المتسارع هذا نبحث دائما وطوال الوقت عن شيء ينسي الإنسان همومه ويصُُيرها ألطف وأرق مما هي في الحقيقة.
هؤلاء الأدباء أو الصحفيون يكتبون ما لديهم باللهجة الشعبية حينا وبالفصحى حينا آخر، ولكل كاتب منهجه وطريقته التي يمتاز بها عن غيره من الكُتاب، لكن ما يشترك به كل هؤلاء هو حب الأرض والشعب ونبذ القهر والظلم.
الأدب الساخر تنطوي تحته أنواع: فهناك الشعر الساخر، القصة الساخرة والخاطرة والمقالة الصحفية الساخرة، وكلها طرائق متعددة لقول ما يشغل بال الكاتب في الحياة من حوله، ليتناول التناقضات في المجتمع، الممارسات السلبية، الأحداث والشخصيات السياسية، المشاكل الإجتماعية وحتى النفسية والمادية، وغيرها من المواضيع التي لا تنتهي.
أحمد رجب من مصر، محمد الماغوط، وزكريا تامر وشريف الراس من سوريا، إميل حبيبي ومحمود شقير من فلسطين ومن السعودية أحمد قنديل، لهؤلاء المكانة الأبرز عربياً في الكتابة الساخرة، وأسماؤهم لمعت وعرفت من خلال ما قدموه لهذا الأدب.
أردنيا، هناك محمد طُمليه، يوسف غيشان، ابراهيم جابر، أحمد أبو خليل، رسمي أبو علي ، فخري قعوار، أحمد الزعبي، عبدالهادي المجالي، وغيرهم ممن يكتبون في المجال الساخر.مؤنس الرزاز ولطفي عثمان مَلحَسْ في كتابه "دبابيس"، من الأدباء الراحلين الذين كتبوا وقدموا لنا من أروع الأعمال في هذا الأدب.
أدب ساخر أم أدب ضاحك
الفرق كبير ما بين الأدب الساخر والأدب الضاحك والمتمثل في النكات الشفوية، فغسان كنفاني وهو ممن كتبوا المقالات الساخرة التي كانت تصدر في ملحق الأنوار ضمن مجلة الصياد يقول في تعريفه للكتابة الساخرة "إن السخرية ليست تنكيتاً ساذجاً على مظاهر الأشياء، ولكنها تشبه نوعا خاصاً من التحليل العميق. إن الفارق بين النكتجي والكاتب الساخر يشابه الفارق بين الحنطور والطائرة، وإذا لم يكن للكاتب الساخر نظرية فكرية فإنه يضحى مهرجاً".
ويفرق الكاتب السوري نجم الدين السمان في مقالته "آراء، الأدب الساخر، خيط رفيع بين التهريج وإدماء الروح بين (الأدب الساخر والنكته الشفوية) فيقول "إذا كانت السخرية لمجرد إضحاك القارئ، فهناك: النكتة الشفوية، التي تقوم بهذا الفعل الانساني على أكمل وجه، وبأسرع ما يكون الإيصال ويكون التكثيف. السخرية الشفوية.. وليدة حاجة البشر إليها، وليدة ساعتها، وقد تنقضي بعد انقضاء ضحكاتها".
بنظر السمان فالسخرية في الأدب خصوصاً هي "موقف من العالم، التقاط لأبرز مفارقاته، هجاء لنقائضه، يدمي الروح في اللحظة ذاتها التي يضحك فيها الكائن البشري على ضعفه وتخاذله وخساسته وابتذاله، قبل أن يضحك بسببها على الآخرين".
فالأدب الساخر "يحصن الروح الإنسانية عن صمتها وخوفها وترددها في التعبير والتصريح وإثارة الاسئلة، حتى لكأنه آخر ملاذات الكائن من اغتيال كينونته، بل.. نافذته على قهقهة مديدة مغمسة بالألم تسُخر لتهجو الطغاة والجلادين وكتبة التقارير وقتلة الحب والجمال وضحكات الأمل" كما يقول السمان في مقالته.
الكاتب شوقي بغدادي يتحدث عن هذا المضحِك بجدية معتمة، فيقول: " إن ازدهار أدب السخرية مرتبط على ما يبدو بأجواء الكتابة المنفتحة على التنوع والاختلاف وحرية الإبداع وأنه كلما ضاقت هذه المساحة لسبب او لآخر سادت الكتابة الجادة أو تحول أدب السخرية الى ما سميناه سخرية سوداء. نحن بحاجة شديدة الى أن نضحك كما هي حاجتنا الى أن نبكي ونرقص ونلعب ونكافح ونقاوم وهذه الأنشطة المتنوعة لا تزدهر في اعتقادي في مجموعها الا بأجواء الحريات العامة والتحرر من التزمت والتعصب وهو ما نحتاج اليه الآن، قليل من الضحك في هذا المناخ العربي البائس المعتم". السخرية بالنسبة لشوقي بغدادي هي "صمام الأمان الذي يمنع طنجرة الضغط التي أحملها فوق كتفي من الانفجار! هي وسيلتي كانسان ضعيف للتوازن في هذا العالم المليء، هي فن (الخيمياء) الذي يحول معادن الحياة اليومية الخسيسة الى معادن نفيسة! بالسخرية يتحول الالم الى ضوء والعجز الى افكار". يوسف غيشان الذي فاز بجائزة الحسين للإبداع الصحافي في مجال المقالة الصحافية التي تشرف عليها نقابة الصحافيين الأردنيين، يعرف الكتابة الساخرة بمنظوره الخاص ليقول "كل ما أعرفه أن السخرية والضحك عمل جماعي وأنه عمل يحتاج للآخر بشكل جوهري، إنه عمل اجتماعي بالضرورة، والآخر هو الأساس في التعاطي مع السخرية. قد أميل قليلاً إلى تصديق علماء النفس الذين يدّعون بأن السخرية بشكل عام هي سلاح فردي يستخدمه الفرد للدفاع عن جبهته الداخلية ضد الخواء والجنون غير المطبق، وهي مانعة صواعق ضد الإنهيار النفسي، إذ بجسد منهك وبقلم رديء الصنع تستطيع إخفاء هشاشتك الداخلية أمام الآخرين سواء كانوا أفرادا أم جماعات. أم قوى سائدة تتحكم في مقدرات المجتمع وقراراته المصيرية".
تعرية القبح وليس امتداح الجمال هو هدف الساخر برأي يوسف غيشان ويضيف "هدفه نقد الحكومات وليس التغزل بلغاليغها، حتى لوكانت تلك اللغاليغ جميلة ومدهونة جيدا بالمساحيق السادّة للمسامات والتجعدات والضمائر. قد تكون السخرية العربية امتدادا طبيعيا ومطورا للهجاء العربي الذي انتقل من هجو الفرد إلى هجو الجماعات، وكان الرسول الكريم يحث شاعره حسان بن ثابت على هجو الأعداء وليس على نظم المدائح في زهد أو شجاعة أو عمق ايمان الصحابة".
فيوسف غيشان في لقائنا به يؤكد بأنه "يوجد أدب ساخر ومقالة ساخرة، والسخرية أسلوب لتوريط القارئ في إيصال وجهة نظر جادة، لكن إذا أردت أن تحولها إلى مقالة ذات طابع صحفي أو إلى أدب فهي قصة لها علاقة بنوع المادة، لنقل مادة سريعة لغتها بسيطة".
الكاتب الساخر أكثر حظاً ردود الفعل التي يتلقاها الكاتب الساخر كثيرة، كيف يجدها غيشان؟
"من خلال الرسائل التي تأتيني من الانترنت والعلاقات، الكاتب الساخر محظوظ جداً، حتى لو كان كاتبا ساخرا ضعيفا مثلاً، يلقى عددا كبيرا من القراء أكثر من الكتاب الجادين، حتى لو كان بالمادة التي يطرحها ضعفاً، وذلك لأن هذه الكتابة شعبية، بها تمرد على اللغة والقوالب اللفظية وأحيانا على المفاهيم والقيم السائدة".
ومع ذلك فالكتاب الساخرين معدودين على الأصابع لكن يقول غيشان"لقد بدأوا يزدادون عدداً، ففي الأردن هناك من خمس الى ست كتاب، وهذا عدد كبير بالنسبة لعدد الشعب، وقد أتيح لهم أن يأخذوا زاوية محررة على اعتبار أنها كتابة ناقدة، بينما هناك كّتاب ليست متاحة لهم، وبالمجمل الكتاب الساخرين بالعالم نادرين وليس فقط بالعالم العربي، وبهذا الحجم المتواجد لدينا ومع نفس صغير من الحرية أدى إلى وجود من ست إلى عشر كتاب في الأردن، وهذا شيء ممتاز".
ماذا تحتاج الكتابة الساخرة؟
يقول غيشان "لا بد من وجود حس للأشياء وقدرة على التمرد والتجديد واندهاش دائم وحس نقدي وثقافة كبيرة ومتنوعة".
كاسة شاي وزيت وزعتر
لهجته القريبة من الناس توصله إليهم مباشرة، يحمل في جعبته الكثير من المفارقات الإجتماعية لينتقدها ويصفها بطريقته المتهكمه، أسلوبه الكتابي يشد القارىء البسيط له، هو حال الكاتب الساخر، وأحمد الزعبي كاتب مختص بمجتمعه الوادع البسيط، وشعبه المكتفي "بكاسة الشاي والزيت والزعتر على فطوره اليومي". ظهر منذ فترة قصيرة ككاتب مقالات ساخرة في جريدة الرأي.
ويعرّف الزعبي الأدب الساخر أنه "أعرق أسلحة البشر وألطفها فهي سلاح الفقير على الغني والضعيف على القوي وسلاح المظلوم على الظالم. النص الساخر هو الخلطة السرية بين اللغة والمفردة والحكاية الشعبية واصطياد المفارقة في المشهد والخبر والحدوته. سواء أكان هذا النص نكته شفوية أو نص ساخر مكتوب".
لماذا اخترت هذا الأدب بالذات؟
يجيب الزعبي "الأدب الساخر هو الأقرب للناس لأنه ينقل المشهد من قاع المدينة ومن المعاناة الفردية للأشخاص. الكاتب الساخر يقوم بعمل المغناطيس عندما يلتقط الاحداث البسيطة، والمشاهد غير الواضحة للعالم التي ينقلها بحرفية اكثر، الكاتب الساخر يتقاطع أيضا مع رسام الكاريكاتير بنقل المشهد بعموميته وتفاصيله الدقيقة".
استخدام الكلام العامي في المقالة الساخرة ليس أساساً، ويقول الزعبي"هو ليس أساساً لكنه يكون ضروريا أحيانا لتوصيل الفكرة؛ ففي مصر يستخدم الكاتب أحمد رجب المفردة المصرية الشعبية بشكل متوسع، على عكس الكاتب محمد الماغوط الذي يستخدم اللغة العربية الفصحى، فمن أساس تعريف الأدب الساخر أنه الخلطه السرية بين اللغة والمفردة والحكاية الشعبية".
"أحبذ تناول المفردة الشعبية حتى تكون أقرب الى القارىء".
الفن الساخر فن صعب، لكن بالنسبة للكاتب هل هي موهبة أم هي شيء يكتسبه عبر الأيام؟
يقول الزعبي "هي موهبة بالدرجة الاولى، ثم تنميها المهارات، كم تدرس وكم تعتني بمفردتك وكم تشتغل عليها، لكنها بالدرجة الأولى موهبة، فيجب أن تكون لديك بوادر كتابة ساخرة، بالنسبة لي أنا بدأت كمقلد، منذ الصغر كنت أرى الكبار في السن وأقوم بتقليدهم، لكن الأدب الساخر يكون أحيانا نتيجة لمعاناة، سواء أكانت معاناة عاطفية أو اجتماعية أو غيرها فتعبر عنها أنت بسخريتك".
الأدب الساخر يضحكنا أحيانا لكنه ما يلبث أن يحزننا، يعلق الزعبي "السخرية الحزينة هي أشدها مرارة، ولكني أعود للتعريف، فالأدب الساخر هو أعرق الأسلحة وألطفها، لأنها تعبر عن الواقع المرير بالضحكة وأحيانا بالضحكة المرة، الناتجة عن المعاناة والإحباط".
الكّتاب المعروفين في الأردن محدودين ولا يكادوا أن يكونوا معروفين إلا هؤلاء الذين يظهرون هنا أو هناك، يعلق الزعبي حول هذا "الكتابة الساخرة كتابة صعبة، فهناك شعرة بسيطة بين الأدب الساخر وبين (ثقالة الدم) فصعب جدا الوقوف بين هذا الميزان، بين الكتابة الساخرة وبين الإستهزاء بالقارىء، فهم قلة الذين يجيدون هذه الحرفة"
أصبحنا نرى في كل جريدة محلية على الأقل، كاتب أو كاتبين ساخرين، مثلما نرى في فن الكاريكاتير، فكل جريدة فيها فنان كاريكاتير يومي، فهل يعزى ذلك لتزيد هذه الجرائد من قراءها، وتزيد شعبيتها ومبيعاتها؟
"نعم أصبح في كل جريدة كاتب أو أكثر، لأن الكاتب يعتبر همزة وصل بين القارىء والجريدة، وأحيانا بين القارىء وبين صاحب القرار، وأحيانا بين صاحب القرار وبين المعني من القرار، فالكاتب ينقل الصورة بطريقة خفيفة بدون أي تعقيدات أو تلقين أو مباشرة بالحديث، وينقلها من حديث الشارع الى صاحب القرار. بعض الكتاب الساخرين ينقل تجاربه الشخصية بطريقة ساخرة. فبكل جريدة يكون هناك أعمدة للتحليل السياسي، والتحليل الاقتصادي، وأعمدة اجتماعية، بالتالي تكون المقالة همزة وصل بين القارىء وبين الجريدة".
"لا أعتقد أن الجرائد تعتمد على الكتاب الساخرين لزيادة المبيعات، لأن هناك جرائد على المستوى العربي كالخليج والبيان الإماراتية وهما من أكثر الجرائد مبيعاً في الوطن العربي، وليس فيها كتاب ساخرين".
للأدب الساخر جذور
بدايات الأدب الساخر، يتحدث عنها الصحفي والكاتب الساخر، أحمد أبو خليل "الأردن حديث العهد بالكتابة والنشر، ومصطفى وهبي التل (عرار) كان في نمط كتابته بعض التهكم من المجتمع، فلم يكن هناك احتراف بالأدب الساخر. في مرحلة لاحقة بدأت تظهر صحف متخصصة في التهكم الساخر، وفي الفترة التي كان فيها انفتاح حريات أكثر من الوضع الحالي في الأربعينات والخمسينات، نشأت عدد من الصحف المتخصصة في النظرة الساخرة. وتبقى لطفي ملحس وهاشم السعد الذي أنشأ صحيفة الصريح. لكن للإطلاع على كل الأدب الساخر في تلك الفترة فقد كانت تعلوه النبرة التهكمية، لكن هم أنفسهم لم يصنفوا أنفسهم ككتاب ساخرين. وكذلك الكاتب فخري قعوار الذي كان رائدا بالقصة والمقالة الساخرة بالأردن لفترة معينة".
"الأدب الساخر هو أسلوب من أساليب التعبير مثلها مثل أي شكل آخر من حيث فائدته لمن يستمع أو يقرأ، تقدم المعرفة وتقدم المفارقة ولكن ما يميزها بالأساس أنها تقدم الضحكة والابتسامة فيشترط في الكتابة الساخرة أن تثير مفارقة تدعو الى الضحك" يقول أبو خليل.وعن الفرق بين المقالة الساخرة والأدب الساخر، يعلق أبو خليل "الأدب الساخر فيه نشاط إبداعي أما المقالة الساخرة فيمكن أن تكون مرتبطة بأحداث أو موقف الكاتب من قضية يتخذ فيها موقف التهكم والسخرية من الأحداث، لكن القصة الساخرة ليست مقالة ساخرة فهما نمطين مختلفين".
وما يزال الكُّتاب الساخرون يزدادون
وفي الأردن "اصبح هناك كتاب ساخرين في كل جريدة يعلقون على الأحداث الجارية. لكن بعض المداخل لها قصة معينة تحتمل الديمومة وبالتالي تتحول الى قطعة أدبية مع أنها كتبت في الأصل مقالة، لكن إذا كانت تحمل صفة التهكم من قضية أو موقف إنساني عام فإنها تحمل الديمومية وتقترب من الأدب. لكن هناك مثلا محمد طمليه، يوسف غيشان يكتبان أدب ساخر، بينما أنا أكتب مقالة ساخرة قد يكون فيها مقطع إجتماعي فيه ملامح أدبية".
النكتة مفارقة معينة عند لحظة، بمشهد أو رواية عن شيء حصل فتصبح كأنها نكته، او المفارقات التي تحصل على اللغة، يقول أبو خليل، ويتابع "الكتابة الساخرة مستوى آخر من التهكم والسخرية تختلف عن النكته لأنها تحتمل موقف اشمل لأنها تحكي عن كشف مفارقة وما هو غير رسمي من الظواهر بحياة الإنسان والمجتمع أن يكون هناك مشهد عام تقليدي يراه الناس طبيعي ولكن إذا نظرنا إليه من زاوية أخرى مختلفة حقيقية نتحول حينها الى السخرية".
تتشابه سمات المقالة الساخرة من الرسم الكاريكاتيري، لكن يوضح أبو خليل "الكاريكاتير قديم ورافقه الرسم أي أن يكون المقالة الصحفية مرفقة برسم؛ ثم صار الكاريكاتير تقليد جديد فالمادة الكاريكاتيرية لها جاذبية خاصة، لكن الكتابة الساخرة مرت سنوات ولم يكن بالجرائد أي كاتب ساخر".
السخرية فن له شعبيته ومحبيه؛ من البسطاء والشعبين الى الأغنياء والمسؤولين. هو أدب مصدره الشعب وموئله الشعب. والأدب الساخر له خصوصية تميزه عن باقي الآداب الأخرى، سواء تمثل في القصة الساخرة أو الشعر أو المقالة الصحفية الساخرة.
الصرصار
عاد المخرج الشاب على علوى من بعثته الدراسية فى فرنسا و قد طال شعر رأسه و أطلق شعر لحيته و غير اسمه و لقبه إلى : المخرج الطليعى على لوش أو عليلوش ! و منذ أن عاد عليلوش من باريس و هو يرفض كل قصة تعرض عليه لإخراجها , حتى اقتحم مكتبى يوما ليعلن فى سعادة غامرة أنه وجد القصة التى سينال على إخراجها – فى فيلم سينمائى – الجائزة الأولى فى مهرجان كان !
قال لى عليلوش : قصة رائعة اسمها الصرصار , فهذا أول فيلم يقوم ببطولته صرصار .. اتجاه طليعى سيهز الدنيا : صرصار يطارد امرأة فى شوارع القاهرة حتى يخرب بيتها , إنه يصعد وراءها فى المترو و الأوتوبيس و يمشى خلفها فوق الأرصفة الحافلة بالناس و يعبر فى أعقابها خط عبور المشاة فى قلب العاصمة .. هل تعرف الموراليتى ؟؟ مغزى القصة ؟؟ مغزاها هو : لا يهدم البيوت إلا الصراصير الحقيرة , فهذا الصرصار رمز لكل نفس دنيئة , إذ أنه يظل خلف الزوجة منذ أن تخرج من عمارة أمها فى مصر الجديدة حتى تدخل عمارتها فى باب اللوق , و تتقدم نحو الأسانسير , و هنا تكتشف الزوجة التى تخاف من الصراصير أن الصرصار عند أقدامها فتصرخ مذعورة و ترتمى – فى حركة لا شعورية – فى أحضان الجار الموجود فى الأسانسير , هنا يدخل الزوج من باب العمارة و يفاجأ بزوجته بين أحضان الجار و تقع المأساة و السبب هو هذا الصرصار الذى يعبر فى رمزية مكتملة عن الصراصير الآدمية الموجودة فى الحياة .. ما رأيك فى القصة ؟ - عظيمة يا عليلوش .. لكن من ينتجها ؟؟ - وافقوا على إنتاجها خلاص . - مين ؟ - المؤسسة .. ماانت عارف ان فلان قريبى كوماندا كبير فى المؤسسة .. - على خيرة الله ..
و هرب بطل الفيلم
و بدأ الصدام بين عليلوش و بين الإدارة المالية , فقد طلب عليلوش اعتماد مبلغ ألف جنيه – فوق ميزانية الفيلم – لشراء صراصير من الناس الذين كلفهم بجمع الصراصير حتى يختار من بينها الصرصار الموهوب الذى يتوسم فيه الاحساس الفنى ليقوم بهذا الدور الصعب .
و لقد وقف عليلوش يصيح فى الإدارة المالية قائلا : إن مجدى الفنى و مجد المؤسسة و مجد الفيلم المصرى كله مرتبط بقدرتى على تحريك الصرصار أمام الكاميرا كأى ممثل محترف , و لا يمكن أن يقوم بهذا الدور إلا الصرصار الذى أختاره أنا . لكن مدير الإدارة صمم على عدم صرف مليم واحد زيادة و نصح عليلوش أن يلم شوية صراصير من مطبخه و مطابخ الجيران .. فالصراصير – فى كل مكان – على قفا من يشيل .
و صرخ عليلوش فى وجهه : أصلك موظف لا يمكن تقدر العمل الفنى .. افهم يابنى آدم .. الناس اللى انا ح كلفهم بلم الصراصير ناس من خلاصة الفنيين المتخصصين فى اكتشاف الوجوه الجديدة .. و بكرة تشوف ان صرصارى ح يبقى ستار عالمى و ح تخطفه هوليوود ..
و انتهى النزاع بانتصار وجهة نظر عليلوش بعد أن هدد بالتوقف عن إخراج الفيلم الذى سيحصل على الجائزة الأولى فى مهرجان كان !
و بدأ عليلوش بفحص ألوف الصراصير ليختار من بينها الصرصار البطل , و قدم المصور الفوتوغرافى فاتورة بألف جنيه تكاليف أفلام و ورق حساس بعد أن استدعى عليلوش ذلك المصور ليصور كل صرصار صورة ( فاس ) و صورة ( بروفيل ) حتى يمكن اكتشاف صرصار موهوب و فوتوجينيك أيضا .
و استقر رأى عليلوش على اختيار الصرصار البطل , و بدأ يرسم اللقطات الأولى : اقدام الزوجة تتحرك خارجة من مدخل عمارة أمها و خافها يسير الصرصار .. الأقدام و الصرصار فى كادر واحد بلقطة مكبرة .. تقف الزوجة برهة عند باب العمارة فيتوقف الصرصار خلفها : عند هذا الحد ألقى عليلوش بالقلم يصيح إعجابا : روعة يا عليلوش روعة !
و صدقت فراسة عليلوش فى الصرصار الذى اختاره نجما ! فقد سار خلف الزوجة و هى خارجة من مدخل العمارة , و تابعت الكاميرا أقدام الزوجة مع الصرصار فى كادر واحد , و صحيح أنه أعاد هذه اللقطة 397 مرة استهلك فيها 80 علبة فيلم خام ثمنها 2400 جنيه , و لكن هذا كله غير مهم . المهم الفن و الجائزة الأولى فى مهرجان كان .
و من جديد دب النزاع بين عليلوش و بين الإدارة المالية التى لا تفهم فى الفن , فقد رفضت الإدارة صرف علبة فيلم خام جديدة كما اعترضت على اعتماد مبلغ 300 جنيه تكاليف حراسة الصرصار البطل و العناية به و ندب أحد المتخصصين فى عالم الحشرات لتوفير الرعاية الصحية له , غير أن عليلوش استطاع أن ينتصر مرة أخرى على الإدارة المالية و إن كان قد فشل فى أن تؤمن المؤسسة على حياة الصرصار بمبلغ 50 ألف جنيه . و استأنف عليلوش تصوير الفيلم , و دارت الكاميرا , و خرج الصرصار من باب العمارة خلف الزوجة , لكنه فجأة انحرف جاريا فى بلاعة مجارى و اختفى فيها . و أصيب عليلوش بالجنون من ذلك الصرصار المغفل الذى يمكن أن يعطى الكثير من مواهبه الفنية .. و أسرع إلى مصلحة المجارى لإخراج الصرصار من البلاعة , لكن المجارى اشترطت دفع مبلغ 30 جنيها رسوم خروج العمال للبحث عن الصرصار , هذا لا يهم فى سبيل انقاذ نجم الفيلم .. و قام العمال باستخراج مئات الصراصير من البلاعة . و عرضوها على عليلوش الذى سالت دموعه لأنه لم يجد بينها نجم الفيلم .
و مضت أيام قليلة قبل أن يظهر هذا الإعلان فى الصحف : "مطلوب فورا استئجار صرصار موهوب و مدرب مستعدون لكافة الشروط . المخابرة ت . 99999 ".
ميكى العجيب :
فى نفس اليوم , كان عليلوش أسعد إنسان فى الدنيا . فقد اتصل به تليفونيا رجل قدم نفسه باسم : محمد أبو سليم , خبير فى علم الحشرات , و قال أبو سليم أن لديه صرصارا مدربا اسمه ( ميكى ) و أنه يجرى على ( ميكى ) ابحاثا هامة ليعد موضوع رسالته فى الدكتوراة " قوى الإدراك عند الصرصور الأمريكى " .
و وصل الاستاذ أبو سليم حاملا ميكى فى بيت زجاجى أنيق . لكن الاستاذ أبو سليم اشترط , لكى يعمل ميكى فى الفيلم , دفع تعويض قدره خمسة آلاف جنيه إذا أصيب ميكى بأى مكروه . كما أصر على أن يكون إيجار ميكى فى اليوم : خمسين جنيها .
و لم يكن أمام المخرج عليلوش إلا أن يقبل هذه الشروط و يخوض معركة جديدة مع الإدارة المالية ..
و استؤنف التصوير , و دارت الكاميرا فى مدخل العمارة التى تنصرف منها الزوجة . فقال عليلوش للصرصار المثقف بالإنجليزية التى لا يعرف غيرها : ميكى .. جو أفتر ذى ليدى .. و تحرك ميكى على الفور فى أعقاب اقدام الزوجة , و كان على ميكى أن يقف فور وقوفها بباب العمارة , فهتف المخرج : - ميكى .. ستوب ماى بيبى .. و على الفور وقف الصرصار . و نجحت اللقطة نجاحا رائعا , و لم يتمالك عليلوش مشاعره , فالتقط ميكى من الأرض و راح يغمره بالقبلات ..
و نشبت معركة طاحنة بين عليلوش و الإدارة المالية بعد أن بلغت تكاليف الفيلم الذى لم يصور منه غير لقطتين : 54 ألف جنيه , ثم قفزت الميزانية إلى 70 ألف جنيه عندما صمم عليلوش على إقامة ديكورات فى الاستوديو تمثل الشوارع و ذلك خوفا على حياة ميكى من أخطار المرور و نعال المارة التى يمكن أن تسحقه فى غمضة عين لو تم التصوير فى الشوارع الحقيقية .
و ارتفعت الميزانية إلى 80 ألف جنيه , فقد تم التعاقد على استئجار عدد كبير من الاوتوبيسات و التاكسيات و الملاكى لزوم حركة المرور فى الشارع المقام داخل الاستوديو , كما جلب المخرج ألوف الممثلين الكومبارس ليقوموا بتمثيل دور المارة فى الشوارع !
و دارت الكاميرا لتصوير اللقطة الثالثة من الفيلم , إذ هتف المخرج قائلا للصرصار : - ميكى .. جو أفتر ذى ليدى ( أى امش خلف السيدة ) . و سار ميكى إلى جوار الحائط فى الشارع , و فجأة انقلب على ظهره و لفظ أنفاسه الأخيرة و اتضح أن الديكور كان مرشوشا بال د.د.ت لحفظه من الحشرات فى المخازن .
و تأجل الفيلم الطليعى إلى أجل غير مسمى .
و أصابنى الحزن – حقا – من أجل صرصار مثقف كان يمكن أن يكون أملا للسينما لكنه مات قبل الأوان و بعد أن ضيع علينا 80 ألف جنيه !