هناك ما يشبة الإجماع ـ بين المتزوجين ـ على أن أيام الخطبة هي أجمل اللحظات في حياة كل منا ..!
تلك اللحظات التي كنا نطمئن على من نحب في الهاتف، ونعاود الاتصال كل عشر دقائق لأننا فجأة أصابنا القلق عليه!، ونقطع المسافات حاملين الهدايا دون أي مناسبة تذكر .
نصبح أطباء فجأة لنؤكد له أن صوته ليس على ما يرام ويجب أن نصحبه للطبيب!! .
نكون عشاق، طيبين، قادرين على التسامح، والتفهم، والمحافظة على نبرة الصوت منخفضة طوال الحديث الذي قد يستمر لساعات طوال!.
ثم نتزوج، وفي أذهاننا أن هذا الحب ليس هناك مبررا لانتهائه .
لكننا وبعد مدة نرى شيئا عجبا، يتغير تفاعلنا مع شريك الحياة، ونرى ما كان يسعدنا بالأمس، يضايقنا اليوم! .
كلامه المبهر صار هرطقة !، شخصيتها القوية صارت عنادا، التزامة بكلمته صار تعنتا، رومانسيتها الجميلة أصبحت مملة !! .
ويذهب الحب إلى مكانه المعتاد .. دفتر الذكريات !!.
جون جوتمان، أستاذ جامعة واشنطن في سياتل، والخبير في أمور الزواج، اشتهر بقدرته الفذة على التنبؤ مستقبلا إن كان الزوجان،
سيستمران في حياتهما الزوجية أم سينفصلان، وكانت تنبؤاته تصيب بدرجة تزيد عن90% !.
ولم يكن في الأمر ثمة قدرة خارقة، بل اعتمد د. جوتمان، على بعض المؤشرات التي تظهر في حياتنا الزوجية، وحذر من أنه إذا ما أصبحت هذه المؤشرات واقعا حياتيا،
فإننا نندفع نحو الهاوية، وهذه المؤشرات هي :
1. بداية حادة للخلاف مهما كان بسيطا : زر القميص المقطوع كافي لإشعال حرب ضروس!، طاولة الطعام الغير مرتبة دليل فشلها كزوجة، نسيانه إحضار الخبز من البقالة يدلل على أنه يتعمد إهانتها! ..
وهكذا يصبح الحوار عصبيا متوترا، كل شيء وأي شيء يمكن الخلاف بشأنه، بعد تضخيمه .
2. الانتقاد بدلا من الشكوى: الشكوى تعبير عن عدم الرضا من وضع ما، وشكواي هي محاولة لإشراكك معي في ما أعانيه من ضيق وألم، أما الانتقاد فمعناه أنك سبب مشاكلي، هي تعبير عن سخطي منك .
3. إظهار الازدراء : والازدراء يعني رفض موجه لك، وليته رفض عادي، بل مليء بأسوأ المشاعر السلبية الممكنة، من الامتعاض، والتهكم، والاستخفاف .
4. دفاع شديد عن وجهة نظري : ومحاولة القتال من أجل إثبات شخصيتي، وبأنني مصيب والآخر مخطئ .
5. إنعدام التأييد: ووضع العراقيل تجاه أي رأي أو فكرة يطرحها الطرف الآخر، حتى لو اقتنعنا بها في داخلنا .
6. لغة جسد سلبية : وعدم التفاعل مع الطرف الآخر، ولا مانع من نظرة هازئة بها من الاستخفاف أو الغضب ما يثير الطرف الآخر .
هذه المؤشرات الست يرى د. جوتمان، بأنها تسبق عملية الانفصال مباشرة .
حيث تسود الحياة الزوجية حالة من العصبية، ويتحفز كل طرف ـ أو أحدهم ـ إلى التقاط العثرات، ونشر ذبذبات سلبية متوترة في العلاقة .
باهتمام بالغ يهيب بك د. جوتمان أن تنتبه إلى أن العامل الرئيسي في فشل الحياة الزوجية هو كثرة تبادل الانتقادات بين الزوجين, وغياب التسامح, وأن يشعر أحد الزوجين انه في موقف الاتهام دائما,
فيتحفز للدفاع عن نفسه بأن لا يترك مجالا لشريكه للنقاش, أو يلجأ إلى الافتراء عليه ووصفه بأشياء ليست فيه .
في المقابل فإن د. جوتمان أعطانا وصفة للسعادة الزوجية، من خلال التأكيد على أن سعة الصدر, وذكر صفات الشريك الإيجابية أثناء الخلاف,
بدلا من الحديث عن صفاته السلبية فقط, مثلا بدلا من أن يبدأ كل طرف بكيل الاتهامات للطرف الآخر دون حساب يمكنه أن يقول له مثلا: (دائما أنت حليم وهادئ لماذا العصبية هذه المرة?)، وفوق هذا أن يتمتع بروح شجاعة تؤهله للاعتذار عندما يشعر بأنه أخطأ .
ثم أخبرنا بعدها بمجموعة من الممارسات الرومانسية، التي يرى بأهميتها في حياتنا، فهو يرى أن الأزواج السعداء يفعلون ما يلي :
1. قبل الانصراف : أي قبل أن يفترقا صباحا للذهاب إلى العمل، يتحدثان لفترة ( دقيقتين) عما سيفعلاه في يومهما .
هذا شيء مهم جدا على بساطته، فتلك الدقائق البسيطة كأنها إعلان بينهما، أن القلوب متصلة، حتى وان افترقت الاجساد .
2. عند اللقاء: يتحدثان بعد المجيء من العمل لمدة (20 دقيقة) يفرغان فيها ضغوطهما، ويتحرران من جو العمل .
3. ممارسة عاطفية : لمس، ضم، تقبيل، بحنان وحميمية وعطف لمدة (5 دقائق) .
4. التقدير والإعجاب : كأن يثني على قوة الطرف الآخر، وذكائه، وحكمته، وعاطفته، وحسن تصرفه، لمدة ( 5 دقائق ) يوميا .
5. اللقاء الغرامي : وهو جلسة عاطفية، أو لقاء حميم، لمدة ( ساعتين) يوميا .
ويقول د.جوتمان، أن تكريس خمس ساعات إسبوعية مقسمة كما أوضحنا في النقاط السابقة، من شأنه أن يرفع من مستوى أدائنا العاطفي، ويسمح بانتعاش الحب، حتى آخر العمر .
ويؤكد بأنه تعلم الكثير من خلال متابعته للمشكلات بين الأزواج خلال السنوات العشر الماضية, ومن ذلك أن العلاقة بين الزوجين يجب أن تكون علاقة صداقة بالدرجة الأولى,
وأن لا يتصور أحدهما أن من حقه على الآخر أن يتحمله, مهما فعل, لمجرد أنه يشاركه العيش تحت سقف واحد, وثانيهما أن كل طرف ينبغي أن يتذكر, عندما ينشأ خلاف بينه وبين الطرف الآخر, أ
ن أمامه دائما خيارين: أولهما أن يتصرف بعصبية, ويتلفظ بعبارات تدفع الطرف الآخر إلى الخروج عن طوره والتضحية حتى بالعلاقة الزوجية, وثانيهما أن يأخذ الأمور ببساطة ويحاول حصر الخلاف في أضيق نطاق.
ومعظم الخلافات سببها أن أحد الطرفين يعتقد, حقاً أو باطلاً, إن الطرف الآخر لا يحاول فهمه, ولا يقيم وزنا لمشاعره, وربما كان من الأولى لهذا الطرف أن يتساءل: هل يفعل هو ذلك بالنسبة لشريكه .
إن الزواج عزيزي الزوج، عزيزتي الزوجة، ينمو دائما بالسلوك والتصرفات والمشاعر الإيجابية، ويذبل أيضا بالسلوك والتصرفات والمشاعر السلبية، والتعلم ومحاولة الاستفادة من تجارب وخبرات وأبحاث الآخرين،
من شأنه أن يعطينا أفقا معرفيا أكبر، يساعدنا على إضفا ألوان من الحب على حياتنا، وتساعدنا في التغلب على العوائق والمشكلات التي من شأنها تهديد الزواج .