رغم أن ثورة المصريين ضد نظام حكم الرئيس حسني مبارك فاجأت الكثيرين, فإن المتابع للشأن المصري يلحظ ارتباطا بين ما جرى اعتبارا من 25 يناير/ كانون الثاني الماضي, وما حدث من إخفاقات حكومية على مدى السنوات الماضية, دفعت المصريين إلى ثورة جارفة سطرت تاريخا جديدا.
وقد تسببت السياسات الحكومية السنوات الأخيرة في تعاظم الشعور بالظلم والتهميش لدى قطاعات متزايدة, لصالح فئة محدودة حصدت كل المكاسب.
وكان طبيعيا أن يفتح هذا الشعور بالظلم الباب لاحتقان اجتماعي وسياسي غير مسبوق, بعد أن بدا وكأن النظام يشن حملة "تجويع" ضد الشعب "بدم بارد".
ومع تسارع وتيرة الأزمات الداخلية والخارجية، أثبتت الحكومات المتعاقبة، وأبرزها حكومة أحمد نظيف المقالة بجدارة، فشلها في إدارة تلك الأزمات والكوارث. وقد توالت عدة أحداث فاقمت الاحتقان وقادت إلى الانفجار. وكان النصيب الأكبر من الكوارث من نصيب سكان العشوائيات ومواطنين يحملون لقب "مواطن درجة ثانية".
وشهدت مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة أكبر موجة احتجاجات عمالية, قفزت من 115 إضرابا عام 2001، إلى عشرة آلاف اعتصام، و1250 إضرابا عام 2008، على سبيل المثال, وتضاعفت تلك المعدلات عام 2010.
<tr> <td></td></tr> <tr> <td style="text-align: center; font-family: Arabic Transparent; font-size: 10pt; font-weight: bold;">صيحات أهالي ضحايا "السلام 98" لم تسمعها الحكومة (الجزيرة-أرشيف) </td></tr></table>كارثة العبارة يوم 2 فبراير/ شباط 2006 غرقت العبارة المصرية "السلام 98" التابعة لشركة السلام للنقل البحري في البحر الأحمر أثناء رحلة بين ميناءي ضبا السعودي وسفاجا بمصر.
وكانت العبارة تحمل أكثر من 1400 شخص عند غرقها بمن فيهم أفراد الطاقم.
وقد حملت لجنة تحقيق برلمانية مصرية الشركة المالكة والحكومة مسؤولية الكارثة, حيث ورد بتقريرها أن "مسؤولية الشركة وصاحبها وأولاده في هذه الجريمة ثابتة، إذ أنه تم تسيير العبارة رغم العيوب الجسيمة التي شابت صلاحيتها للإبحار" كما انتقدت بشدة طريقة الحكومة في إدارة الأزمة.
ويوم 27 يوليو/ تموز 2008 قضت محكمة ببراءة مالك العبارة وأصدرت حكما وحيدا بالسجن ستة شهور بحق قائد سفينة أخرى تزامن وجودها على مقربة من العبارة الغارقة, حيث لم يتدخل للقيام بعمليات الإنقاذ اللازمة.
الموت حرقا في فبراير/ شباط 2002 قتل نحو 360 شخصا جراء حريق شب في قطار على بعد سبعين كلم جنوب القاهرة في أسوأ كارثة قطار تشهدها البلاد. وقال بعض الناجين إن السائق لم يتنبه للحريق وظل يقود القطار ثمانية كيلومترات والنيران تشتعل بعرباته في حين كان الركاب يقفزون من النوافذ والأبواب.
كما طالت نار الإهمال قصر ثقافة بني سويف حيث قتل العشرات حرقا في سبتمبر/ أيلول 2007, بينما تسبب الإهمال في سرقة لوحة زهرة الخشخاش في أغسطس/ آب 2010, وهو ما فتح ملفات فساد ظلت مغلقة فترات طويلة بوزارة الثقافة.
<tr> <td></td></tr> <tr> <td style="text-align: center; font-family: Arabic Transparent; font-size: 10pt; font-weight: bold;">المصريون رفضوا تصدير الغاز لإسرائيل (الجزيرة نت-أرشيف) </td></tr></table>الغاز لإسرائيل كما سبب الإصرار الحكومي على تصدير الغاز لإسرائيل وتحدي أحكام المحكمة الإدارية العليا بهذا الصدد, في تعميق الشعور باستخفاف حكومي, في وقت يعاني فيه المصريون من أزمات خانقة للحصول على أسطوانة من الغاز الذي يصدر لإسرائيل بسعر 2.5 دولار للوحدة، رغم أن سعره بالسوق العالمي يتراوح بين 15 و16 دولارا.
كما شكل الأمر تحديا من الحكومة لأحكام القضاء, وهو ما جعل مفهوم "سيادة القانون" و"احترام القضاء" من الأمور المثيرة للشعور بالمرارة, وهو ما اعتبر كارثة هددت النسيج الاجتماعي وهمشت دور القانون في حماية الأفراد والممتلكات.
وعلى ذات الصعيد جاء غضب الشارع من الدور الحكومي المساند لإسرائيل في حصارها لقطاع غزة, وهو غضب جاء في سياق تراجع لافت لدور مصر الخارجي، شمل ملفات عديدة منها السودان ومياه النيل.
التعذيب وكان شيوع التعذيب في السجون المصرية مؤخرا والكشف عن وقائع متتالية, من أبرز العوامل التي فاقمت الشعور بالاحتقان, خاصة الموجه لرجال الشرطة.
وكان من أبرز القضايا التي هزت الشارع المصري, لدى تفجرها عام 2005، قضية عماد الكبير الذي تعرض للاغتصاب بأحد أقسام الشرطة مع التصوير بقصد الإهانة.
ثم جاءت قضية "شهيد الإسكندرية خالد سعيد" قبل عدة شهور لتفتح أبواب الغضب على الشرطة ورجالها. وقد تميزت القضية بتحولها إلى قضية رأي عام استخدمت فيها أحدث وسائل الاتصال، واستفادت بشكل لافت من الإنترنت التي حملت عناوين كثيرة بها شعار "كلنا خالد سعيد".
وقد بدا التراخي الحكومي في محاسبة المسؤولين سببا من أسباب الاحتقان ضد الشرطة والنظام بأكمله.
<tr> <td></td></tr> <tr> <td style="text-align: center; font-family: Arabic Transparent; font-size: 10pt; font-weight: bold;">قضية خالد سعيد أشعلت المواجهة بين الشرطة والمواطنين (الجزيرة نت-أرشيف) </td></tr></table>في ساحة العدالة ولم ينته عام 2010 قبل أن يشهد شرخا لافتا بين جناحي العدالة, القضاة والمحامين, بعد أن شهدت المحاكم إضرابا غير مسبوق من جانب المحامين في كافة أرجاء مصر, تضامنا مع زميل لهم دخل في مشادة واشتباك مع أحد القضاة, ثم حكم عليه بالسجن.
وقد حملت الحكومة مسؤولية هذا الشرخ لغياب العدالة والتباطؤ في تطبيق القانون, مع اتهام بالازدواجية والانحياز لصالح القضاة.
وفي ساحات القضاء أيضا, فتحت ملفات بعض كبار رجال الأعمال من أمثال هشام طلعت مصطفى بعد أن تورط في قضية قتل اللبنانية سوزان تميم, وهو الأمر الذي أعقبه الكشف عن قضية فساد كبرى تعلقت ببيع وتسليم الحكومة "أرض مدينتي" إلى مصطفى بثمن زهيد للغاية, حقق من ورائه أرباحا طائلة. ولم يقف الفشل الحكومي عند حدود الفقراء والمهمشين, وإنما امتد ليشمل قطاعات مهمة بالدولة, فالتهم حريق الإهمال أجزاء واسعة من مبنى مجلس الشورى يوم 19 أغسطس/ آب 2008. وظلت النيران مشتعلة عدة ساعات مما تسبب في أضرار جسيمة.
ملفات الفساد تضاف إلى كل هذا ملفات تتعلق بالمبيدات المسرطنة، وهي فضيحة ترجع إلى عهد وزير الزراعة السابق يوسف والي وحكومات عاطف عبيد وكمال الجنزوري, وهي قضايا لم تحرك فيها الحكومة ساكنا.
كما أضيفت إلى تلك القائمة فضيحة أكياس الدم الفاسدة التي تفجرت قبل عامين وتورط فيها مسؤولون كبار بوزارة الصحة أقروا بالتعامل بالأكياس الفاسدة التي تم توريدها بمعرفة شركة "هايدلينا".
كما توالت قضايا متكررة تحمل عنوان اللحوم والألبان الفاسدة, وصولا إلى شحنات من القمح الفاسد مستوردة من روسيا, الأمر الذي تعلق مباشرة برغيف الخبز.
كما لاحظ المصريون أن الإعلان عن مشروعات قومية كبرى كمشروع توشكي كان مجرد بالونات في الهواء, لم تحقق أي عائد إلا لأصحابها الذين استفادوا من الإعفاءات والدعم الحكومي, دونما أي مردود على الساحة الاقتصادية الداخلية.
وفيما يتعلق بصحة المصريين, يرصد مراقبون وجود تسعة ملايين مريض بفيروس "سي" فضلا عن ثلاثة ملايين مريض بالفشل الكلوي، ومثلهم بالسرطان، وغيرهم بالإعاقة, فيما يعد مؤشرا على كارثة صحية بامتياز.
كما توالى انهيار المساكن ليكشف عن فساد متصاعد في إدارة المحليات, ليتعاظم الشعور بالغضب. وكان انهيار مبنى سكني مكون من 12 طابقا بالإسكندرية يوم 24 ديسمبر/ كانون الثاني 2007 مثالا آخر على ذلك.
وفي مشهد آخر, لاحقت المصريين حوادث الطرق الناجمة عن إهمال حكومي, فقتلت منهم نحو سبعة آلاف عام 2009 فضلا عن آلاف الجرحى, طبقا للأرقام الرسمية التي أشارت إلى خسائر بلغت 16 مليار جنيه.
وهكذا اجتمعت الكوارث, لتجسد فشلا حكوميا واضحا واستخفافا لافتا في التعامل مع المواطنين, وهو ما دفع الأمور باتجاه لحظة انفجار لم يقم لها النظام الذي راهن على صبر المصريين أي حساب.
</td> </tr> <tr valign="top"> <td class="tdMainStory" colspan="3" style="padding-right: 5px;" valign="top">