الدولة : عدد المشاركات : 935 نقاط : 1482 تاريخ التسجيل : 28/10/2009 العمر : 35 الجنس :
موضوع: السمار نص الجمال لاء طبعا الجمال كله الأربعاء يناير 13, 2010 1:29 pm
لدينا نحن –المصريين- حساسية وحرج تجاه لون البشرة الأسمر! وكلما أصبح اللون داكناً زاد الحرج!.. فاللون الخمري أو الأسمر يعطيهم إحساساً بالضيق قد يصل إلى حد الإحساس بالعار لدى بعض الناس. ولا شك أنك قابلت بعض العبارات من نوعية.. "لا دي وحشة أصلها سمرة!"، فالجمال لدى المصريين صار مقترنا كثيرا بالبياض بغض النظر عن الملامح، فحتى لو كان الشخص وسيم الملامح لكنه أسمر؛ فإن هذه الخطيئة الكبرى لا يمكن اغتفارها له. وبغض النظر أيضا عن الجمال الداخلي وجمال الروح، فكثيرون يرون أن تلك العبارات مجرد كلام لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا محل له من الإعراب، فالغالب الآن على التفكير المجتمعي هو الجمال الخارجي الذي يجب أن يكون -حتماً- مقترناً ببياض البشرة.
الغريب أنه مع تعصب المصريين لذوي البشرة البيضاء ترى أن أصل العرق المصري هو سمار البشرة !فأجدادنا الفراعنة كلهم سمر الوجوه، ويُرى ذلك واضحا على النقوش الملونة التي تركها أجدادنا منذ أكثر من 6 آلاف عام، وتبرز بكل وضوح أنهم كانوا من أصحاب البشرة السمراء بل الداكنة أيضا!.. والأغرب أن معظم المصريين أصلاً من ذوي البشرة السمراء!
فالصعيد بأكمله وهو يشكل مساحة كبيرة من مصر إلى جانب الكثير من سكان العاصمة يتمتعون ببشرة سمراء خمرية.. فالقليلون فقط بالنسبة للمصريين من ذوي البشرة البيضاء، ورغم ذلك تجد نوعاً غريباً من الحساسية الشديدة لدى المصريين تجاه لون بشرتهم!.. فالسمر يجدون حرجا من لونهم –بلا أي سبب واضح- ويتمنون لو كانوا أكثر بياضاً!.. ولك أن تتأكد من ذلك من خلال كمية الإعلانات عن كريمات التفتيح والتبييض والتشقير المنتشرة حاليا -والتي رغم ما بذله الأطباء من جهد وصراخ لتوضيح خطورتها على الجلد قد تصل لدرجة الإصابة بالسرطان!- إلا أنها تجد رواجا شديداً.
فالإعلانات كلها تروج لذات الفكرة.. أن الجمال مرتبط ارتباطا لصيقا ببياض البشرة وكأنهما توأم ملتصق! فهذا الإعلان المعروف عن إحدى الفتيات التي تتقدم للعمل فترفض؛ لأن بشرتها غامقة اللون!.. فتعود منكسرة لتستخدم كريم التفتيح المعجزة الذي يحول لون بشرتها ويغير من جيناتها ومن تركيز صبغة الميلانين بجلدها خلال أسابيع –وهو محض هراء طبعا!- لتصبح فتاة بيضاء تجذب الأنظار وتحظى بفرصة العمل!..
وغيرها الكثير من الإعلانات على نفس الوتيرة.. كلها تدور حول تعاسة الفتاة وحظها السيء لكونها سمراء وبعد استخدامها للكريم المعلن عنه تصبح بيضاء سعيدة ممشوقة القوام ساحرة الألباب!!
ومما يدلك على أن تلك الفكرة المسطحة تجد رواجا وصدى نفسياً واسعاً لدى المشاهدين.. أن تقوم بعدِّ كمية كريمات التفتيح التي يبتاعها الناس، خاصة بعد مشاهدتهم لتلك الإعلانات، والكل يتطلع إلى صورة الفتاة المتحولة لبيضاء اللون وقد كادت أن تطير من الفرح وكأنها أيقونة للسعادة!.. فكلُّ من ابتاع العبوة -ولاحظْ أنهم من كل الأعمار حتى الأطفال!- يتخيل أنه فور فتح الغطاء ستفتح له مغارة "علي بابا" وتطرق السعادة بابه ونافذته أيضا –ومن يدري من قد يطرق الباب أيضاً؟!- وتحظى بكل ما حلمت به.. وبالطبع هذا لا يحدث مما يصيبها باكتئاب مضاعف !
فمخرجو الإعلانات عرفوا تلك العقدة في نفوس المصريين ولعبوا عليها جيدا، ضامنين أن مجرد الإشارة والتلويح براية بياض البشرة ستروج بضاعتهم حتى لو كانت لبن العصفور الذي أصابه انفلونزا الطيور !
كذلك تجد أن الأمر متوغل في عقلية المصريين منذ القدم.. فهناك أمثال عديدة تمجد البشرة البيضاء، وتذم ذماً سيئاً في البشرة السمراء!.. أنتقي منها أخف تلك الأمثال حدة؛ لأن أغلبها تمنعه الرقابة! "ياريتني كنت بيضا وعندي ضب.. أصل البياض عند الرجال يتحب!!"...
المثل أبلغ دليل على وجود تلك العقدة في نفوس الكثيرين، رغم أن المصري أساسا معروفٌ بسمار البشرة التي دائما ما يتغنى بها وأنها تشبه لون الطمي وتربة النيل السمراء.. لكنه كلام أغان فقط! إنما بداخل النفوس تبقى البشرة البيضاء لها مكانة ما، والسبب في هذا الإحساس بالحرج من لون البشرة قد يكون معروفا لو توغل الإنسان في علوم النفس البشرية؛ ليتساءل عن الدافع الذي يجعل المرء يخجل من لونه.. إلا لو كان خللاً داخل الشخصية، وانعداماً للثقة يجعله يحصر كل اهتمامه وتقديره لغلافه الخارجي الذي يراه هو قيمته الأساسية وما عدا ذلك لا معنى له.
كان هناك برنامج أعدته إحدى الفتيات في أمريكا كانت تسأل كل طفل وطفلة عن العروسة التي يحبها –كانت تخيرهم بين عروسة بيضاء وأخرى سمراء– الكل كان يختار البيضاء، ولما كانت تسأل عن السبب فكان الرد بمنتهى التلقائية.. لأنها بيضاء!..
فحتى الأطفال ترسخ لديهم ذلك المفهوم وتسرب لعقلهم الباطن دون أي وعي.. فهل حقا كلامنا عن الجمال الداخلي له محل من الإعراب إذن؟ أم هو مجرد شعار أجوف نردده كي نتظاهر بالعمق بينما الحقيقة هي أن السطحية بلغت مداها منا؟.. وهل يحمل كل منا بذرة التعصب للون داخله حتى لو تظاهر بالعكس؟!.. وكم فردٍ يشعر حقا بالضيق أحيانا ويتمنى لو صار أكثر بياضا!..
وإلا فما تفسير كم الإعلانات عن كريمات التفتيح وهذا الإقبال الشديد عليها؟.. يبدو أننا بحاجة لنظرة داخلية مرة أخرى وإعادة صياغة العقول من جديد كي تكف عن ترديد حملة الجمال الداخلي دون الإيمان بها، ودون أن نفهمها حق فهمها.. إنما لمجرد الرغبة في الظهور بمظهر العمق!!. يعنى المفروض كل بنوتة سمراء تفتخر بده طبعا وتثق فى نفسها اكتر