الدولة : عدد المشاركات : 1069 نقاط : 1445 تاريخ التسجيل : 13/01/2011 العمر : 35 الجنس :
موضوع: رمضان فرصه للتغيير السبت أغسطس 06, 2011 7:17 am
جَبَلَ الله - تبارك وتعالى - الإنسان في هذه الحياة الدنيا على التقصير والنقص, وجعل وتيرة الإيمان بين ارتفاع وانخفاض، وزيادة ونقص, ومن رحمة الله - تبارك وتعالى - بهذه الأمة المباركة أن أمدَّها بفرص ومناسبات؛ يستدرك العبد فيها تقصيره, ويغير من حاله ليستعد لنهاية حياته الدنيوية، وبداية مصيره الأخروي.
ومن هذه المناسبات شهر رمضان المبارك، ذلكم الشهر الذي هو أعظم فرصة سانحة يغيِّر فيها العبد من أحواله، ويحسِّن من أوضاعه، ويمهِّد لنفسه قبل عثرة القدم، وكثرة الندم، فيتزود ليوم التنادي بكامل الاستعداد.
ها هو رمضان قد أقبل بنوره وعطره، وجاء بخيره وطهره، جاء ليربي في الناس قوة الإرادة، ورباطة الجأش، ويزيد فيهم مَلَكَةَ الصبر، ويعوِّدهم على احتمال الشدائد، والجَلَد أمام العقبات ومصاعب الحياة.
ورمضان مدرسة تربوية يتدرب فيها المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيء، والتسليم لحكمه في كل شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء، وترك ما يضره في دينه أو دنياه أو بدنه من كل شيء؛ ليضبط جوارحه وأحاسيسه جميعاً عن كل ما لا ينبغي، ويحصل على تقوى الله في كل وقت وحين، وأي حال ومكان.
إن أجواء رمضان هي أجواء رائعة، وفرصة يسوقها الله - تبارك وتعالى - إلينا كل عام؛ لنعيد برمجة أنفسنا ايجابياً وسط هذه الأجواء الإيمانية المفعمة بالنقاء والصفاء، فمن كان مفرِّطاً في صلاته لا يصليها مطلقاً، أو يؤخرها عن وقتها, أو يتخلف عن أدائها جماعة في المسجد؛ فليتدارك نفسه، وليُعد النظر في واقعه، ومُجريات حياته، وليتأمل أوضاعه قبل فوات الأوان، فما هو فيه اليوم من صحة وعافية، وفتوَّة وقوة؛ هو سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، أو كبرق خُلَّب سرعان ما يتلاشى وينطفئ ويزول، فإن الصحة يعقبها السقم، والشباب يلاحقه الهرم، والقوة آيلة إلى الضعف، لكن أكثر الناس لا يعقلون.
-
أخي الكريم: اجعل من رمضان فرصة للمحافظة على هذه الصلاة العظيمة، فقد وفقك الله للصلاة مع الجماعة، وإلف المساجد، وعمارتها بالذكر والتسبيح، فاستعن بالله، واعزم من الآن أن يكون هذا الشهر المبارك بداية للمحافظة على الصلاة، والتبكير إليها لتكون من المؤمنين الذين يقول الله - تعالى - في وصفهم: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ}1، ويقول سبحانه:
ومن كان مفرطاً في قراءة القرآن، هاجراً له؛ فليجدد عهده بكتاب ربه، وليجعل له ورداً يومياً لقراءة جزء منه لا ينقطع عنه بحال، ولو كان هذا الجزء يسيراً، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّت، ومن المؤسف أن فئاماً كبيرة من المسلمين لا تعرف القرآن إلا في شهر رمضان.
-
ومن عاش قاطعاً لأرحامه فعليه أن يفتح صفحة جديدة فيصل رحمه، ويتعاهد أقاربه وذويه يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها))3، وكذا يحسن إلى جيرانه الذين هم ألصق الناس ببيته، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه وبيده كما أخبر المصطفى - صلوات ربي وسلامه عليه - بذلك.
-
ومن ابتلى بتعاطي الحرام من خمر ومخدرات، أو دخان ومنكرات؛ فإن رمضان فرصة للإقلاع عن ذلك كله, فالإرادة التي استطاعت أن تصوم لأكثر من ثنتي عشرة ساعة لا نظنها تعجز عن مواصلة مسيرتها الإصلاحية؟، والعزيمة التي صمدت عن تعاطي هذا البلاء كل هذه الفترة الطويلة أثناء النهار لا يمكن أن تنهار في آخر لحظات الإسفار، وإرخاء الليل الستار؟
أين الهمة التي لا تقف أمامها الجبال الشامخات؟ وأين العزيمة التي لا تصدها
العاتيات!! استعن بالله - تعالى - على ترك هذا البلاء، فالنصر صبر ساعة، والفرج قريب، وإن الله مع الصابرين.
-
ولمن جُبِلَ على الأنانية والشح، وفقدان روح الشعور بالجسد الواحد؛ فإن شهر الصوم مدرسة عملية لك، وهو أوقع في نفس الإنسان من نصح الناصح، وخطبة الخطيب؛ لأنه تذكير يسمعه ويتلقنه من صوت بطنه إذا جاع، وأمعائه إذا خلت، وكبده إذا احترَّت من العطش، فيحصل له من ذلك تذكير عملي بجوع الجائعين، وبؤس البائسين، وحاجة المحتاجين، فرمضان إذن مدرسة للقضاء على صفة الأنانية والشح، ومن ثم الشعور بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
-
ولمن عُرِفَ عنه قلَّة الصبر، وسرعة الغضب؛ فليتعلم من رمضان الصبر والأناة، فأنت الآن تصبر على الجوع والعطش، والتعب والنصب ساعات طويلة، ألا يمكنك - أيضاً - أن تعوِّد نفسك في شهر الصبر على الصبر على الناس، وتصرفاتهم وأخلاقهم، وما يفعلونه تجاهك من أخطاء، وما الذي يمنعك أن تجعل شعارك الدائم قول الله - جل وعلا -:
الْمُحْسِنِينَ}4، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)) فليكن هذا الشهر بداية لأن يكون الصبر شعارنا، والحلم والأناة دثارنا.
-
ولمن أسرف على نفسه بالخطايا والموبقات، وتجرأ على حدود الله والحرمات؛ أن يسارع إلى الإنابة، ويبادر إلى الاستقامة؛ قبل زوال النعم، وحلول النقم، فهنالك لا تقال العثرات، ولا تستدرك الزلات يقول - سبحانه - حاثاً عباده عليها: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}5.
فالتوبة .. التوبة .. فهي شعار المتقين .. ودأب الصالحين .. وحلية المؤمنين أما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة))6.
أيا رعاك الله:
إن الصوم بيئة خصبة جداً للتغيير لما يحوي من شفافية وسمو بالروح، فبادر فيه بما يسمو بقدرك، ويحلِّق بروحك وفكرك، فأبواب الجنة مشرعة، وأبواب النار مغلقة، ولله في كل ليلة عتقاء من النار، فاجتهد أن تكون واحداً منهم، جعلني الله وإياك ووالدينا ممن فاز بالرضا والرضوان، والفوز بالجنان، والنجاة من النيران.