بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بين ضلوعي قلبٌ واحد، محدَّد مكانه، طيِّعٌ لي، إن مالت فيَّ الجوارح حنَّ ومال، وإن شجَت فيَّ مدامعي صال وجال، أجهدته بصَمْتي وجُلِّ ترحالي، هرمٌ يبكي فلول السنين والليالي، كسيحٌ يسألني الرحيل بلا عتاب ولا سؤال، في غرفته معتصِم يتصدَّع وقد كان عمرًا شامخًا كالجبال.
ونادَيتُ: أيا قلب: لِمَ الهجر؟
قال: دعيني أتلاشى وأنا هنا في موضعي، دعيني يا مَن رضيتِ أن تتركيني أجاور حائط القسوة حتى لاحَ الزوال .
قلت: العاقل مفتاح قلبِه عقلُه، والزاهد مفتاح عقلِه قلبُه، والحبيب يعشق بقلبه وجوارِحُه دليله، وليس في العشق تُؤَدة، بل عطاء للشوق لا غفوة فيه ولا مَنًّا، يا قلبي: إني آثرتُ جوارَ القسوة أبحث عن بذور الغفوة أمحُها قبل سقياها رواكد الجهل وجذوة الضلال، تغيَّرت قلوب العابدين، ومن بعد قيامٍ تكاسلت، فلا صلاةَ خشوع ولا أنفال، قلبي الحبيب: ألم يَقُل رب العالمين: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]؟
قال: نعم .
قلت: أحلامٌ عقيمة تتبعني، وتسْخَر من جمال صبري، وقنوطٌ تكاثَر فيه الملل يُلاحِقني، ويسأم من ثباتي وقدَري، وعصيان يغازِل الضلال محاوِلاً سكبَ الهوى على ضفاف نهري، وأماني أسمع صداها تؤنبني، وتنعى فلول اليوم والدهر، إنهم جميعًا يدركون عشقي وحنيني إلى الرضا، ويأنفون رغبة إقامته شغاف قلبي؛ فطالما كان الحنين إليه يغضبهم، في زمنٍ طغى فيه الفجور وندُرت فيه التقوى، آنسنا الشرور، وافتقدنا حياء السرور، وعانَق الصغير قبل الكبير النجوى، جهِل الكبيرُ فكيف يربِّيه الصغير؟! وتوخَّى نشر الفضيلة بالرذيلة بدعوى كشف الحقيقة، وانخرط الجمعُ الغفير في لغوٍ بلا دليل ولا فضيلة، وخوض بلا خجل ما ظلم به المجادلُ إلا نفسه حتى تحيَّر القلب والفؤاد شتات المشاعر بين الأصحاب والأرحام.
صبرًا قلبي، دقَّاتك تسبيحي، ووَجَلك خضوعي وخشوعي، وقوَّتك ثباتي؛ يقول - عز وجل - لحبيبه خير البرية: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: 8].
قلبي، أرأيت لماذا كان لزامًا حائط القسوة وجوارها؟ الآن انظر هذه أريكة النور التي أعددتها، لا تبكِ، اجلس عليها، وانتظر معي قدومَ الرضا واستعدَّ لاستقباله، هيَّا، وردِّد معي الحمد والتوحيد، وبدِّل الاعتصام اعتكافًا، واسعد بضياء الرضا ستعود فتيًّا، هيَّا، فلا وقت لفتورٍ في الذكر والتسبيح، وكن لربك مناجيًا تدعوه أن يجعلك برضاه تقيًّا.