الدولة : عدد المشاركات : 73740 نقاط : 111480 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 36 الجنس :
موضوع: رد: اعظم خلق الله محمد رسول الله الخميس سبتمبر 22, 2011 7:09 am
رأى كبار قريش أن يلجأوا إلى الخديعة والمكر، بعد أن رأوا فشل تخطيطهم، فقالوا له: ياأبا طالب، إنّ محمداً قد شتت جموعنا وسخر منا ومن أصنامنا التي نحن لها عابدون، حتى أغرى بنا غلماننا
وشجّعهم على العصيان والتمرد، ونحن لا نرى تفسيراً لسلوكه ولا ندري ما هو غرضه. فإن كان فقيراً أغنيناه
وإن كان يريد الملك والجاه، أمرناه علينا وله منا الطاعة، وكل ما نطلبه منه، هو أن يتخلّى عن هذه الدعوة
ويتركنا لحالنا وأمورنا.
لكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم
بالله الواحد العظيم، ويتركوا معبوداتهم وأصنامهم الحقيرة تلك، فإنّها لا تغني عنهم شيئاً. سمع رجال قريش جواب
الرسول صلى الله عليه وسلم
عقب هذه الحادثة، ضاعفت قريش من إيذائها للرسول صلى الله عليه وسلم وتعذيبها لأصحابه، حتى أن بعض أقارب النبي صلى الله عليه وسلم
فكانوا يرمونه بالأقذار، ويسخرون منه ويوجّهون إليه السباب على مرأى من الناس، حتى أنّهم اتّهموه بالخبل
والجنون. لكنّهم كانوا عبثاً يحاولون، فلم يفوزوا من أفعالهم هذه بطائل، وكم كانوا يتمنون لو يقتلوه ويتخلّصوا
منه، لو لا خوفهم من عزيمة أبي طالب، وسيف حمزة، وانتقام بني هاشم. وكم من مرّة رسموا خططاً لقتله
لكنهم كلما حاولوا تنفيذ خططهم الشريرة، كان الله سبحانه لهم بالمرصاد، فأبطل أعمالهم وسفّه أحلامهم.
أول شهادة في الإسلام
كان نصيب بعض المسلمين من الأذى قليلاً، لأنّهم ينتمون إلى قبائل كبيرةٍ ومشهورة، وكان المشركون يخافون
من قبائلهم تلك، لكنّ أكثر أتباع الدين الإسلامي، كانوا من الفقراء المستضعفين، أو من العبيد الأرقّاء، فكان
الأذى الذي ينزل بهم أقوى وأشدّ، كبلال الحبشيّ، وكان عبداً أسود البشرة، فقد طرحه سيّده فوق الأحجار الملتهبة
تحت شمس مكة
الحارقة، كما طرحت فوق صدره صخور كبيرة الحجم، وترك ساعات يعاني من العذاب والحرّ، والجوع والعطش،
كانوا يطلبون منه الابتعاد عن محمد ودعوته. لكن جواب بلال لهم كان قوله . . أحد، أحد، الله واحد. فما كان من
المشركين أخيراً إلاّ أن ربطوه بحبل. وصاروا يجرونه في أزقّة مكة، فوق الأحجار والرّمال، لكنّ بلالاً كان
مسلماً حقّاً، ولم تكن شدّة العذاب إلا لتزيده قوّةً وإيماناً.
كما كان ياسر وسميّة وابنهما عمّار، من المسلمين المستضعفين، المحرومين ممن يحميهم ويدفع الأذى عنهم.
لذلك فقد رأوا من العذاب أشدّه، أمّا ياسر وسميّة فقد قضيا شهيدين تحت التعذيب. وأمّا عمار، فقد قاومهم حتى
اقترب من الموت، بعد أن رأى مصرع أبويه أمام عينيه لكنّه لم يكن أبداً ليرتدّ عن شريعة الإسلام، وإن تفوّه
بكلمة الكفر تقيّةً تحت تأثير العذاب. {إلاّ من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان} (النحل - 106).
[ 22 ]
كان الرسول
لمصابهم، لكنّه لم يكن يملك من علاجٍ إلاّ الصبر الجميل
المقاطعة
أحس مشركو قريش أن خططهم لم تصل إلى نتيجةٍ، ورأوا الخطر يزداد عليهم بازدياد انتشار الإسلام، فلجأوا إلى
تدبير خسيس، بعيد عن الإنسانية، وقرّروا مقاطعة المسلمين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم، وأصدروا
وثيقةً تتضمّن أربع نقاطٍ للمقاطعة:
1- منع الشّراء والمبيع من المسلمين.
2 - مناصرة خصوم محمدٍ، والالتزام بها، واجب في جميع النزاعات.
3 - لا حقّ لأحد في الزواج من المسلمين أو تزويجهم.
4 - يمنع أيّ شكل من أشكال التعامل أو العلاقة مع المسلمين.
وعلّقوا صحيفة المقاطعة هذه على الكعبة.
لما رأى أبوطالبٍ ما وصلت إليه الحال، وكيف غدت معيشة المسلمين مستحيلةً في مكة، تقدم من ابن أخيه،
وعرض عليه أن يغادر بنو هاشم إلى بعض ضواحي مكة، ليقيموا في وادٍ يعرف بـ «شعب أبي طالب» وحين
لمس قبولاً من الرسول صلى الله عليه وسلم
الشعب، لذا فكلّ منكم مكلف بمرافقته، وأن يكون له مساعداً وظهيراً حتى النفس الأخير.
امتدت مقاطعة قريش لبني هاشم ثلاث سنوات، كانت من أشدّ الفترات قسوةً على المسلمين
وخاصةً من حيث قلّة المواد الغذائية التي وصلت إلى حد كان فيه الفرد منهم ينال حبّة تمر واحدةً في اليوم،
بل كانت حبّة التّمر هذه تقسم أحياناً بين اثنين منهم، وكان علي
الحرم، حين كان الأمن يتوفّر بشكل أفضل، كان بعض فتيان بني هاشم يقصدون مكة لتأمين بعض ما يلزمهم من
حاجياتٍ، فكانت قريش تحرّض الباعة على رفع أسعارهم، وكان أبولهب يصيح في أسواق مكّة قائلاً: أيّها الناس
ارفعوا من أسعاركم حتى لا يستطيع المسلمون شراء ما يلزمهم ما أشبه اليوم بالبارحة، فقوى الاستكبار اليوم
تعمل جاهدةً على إدخال المسلمين في مسالك مماثلة، ولا يزال هناك أناس مثل أبي لهب، يغتنمون ظروف
الحصار الاقتصادي، فيرفعون أسعار بضائعهم يوماً عن يوم، إنّهم من أمثال أبي لهب، ومن السائرين على دربه
وهم ليسوا جديرين بحالٍ من الأحوال أن يدعو بالمؤمنين.
بعد مقاطعةٍ دامت ثلاث سنواتٍ دون طائلٍ، وحين ثبت لقريش أنّ الحصار الاقتصادي بدوره لم يأت بنتيجةٍ، ولم يفت
من عزيمة المسلمين، بل زادهم إيماناً، ندم بعض القرشييّن على ما أقدم عليه قومهم، وبدأوا شيئاً فشيئاً
يخفّفون الحصار، حتى انتهى الأمر بأن أصبح المسلمون أحراراً في المجيء إلى مكة. واستطاعوا أن يعودوا
ثانية إلى بيوتهم، وكان ذلك بمعجزة من الله تعالى، إذ بعث الأرض
ة (وهي حشرة صغيرة تقرض الأخشاب وغيرها) إلى صحيفة المقاطعة، فأكلت كلّ ماكتب فيها من كلمات الظلم
والمقاطعة، وأبقت على غيرها من الكلمات، فلمّا رأى الناس ذلك، عرفوا أنّ الله سبحانه لا يقبل بهذه المقاطعة
فمزّقوا الصحيفة وأسلم عدد كبير منهم.
الهجرة
بعد زمن قصير فارق أبوطالب عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم
فهاجر فريق من المسلمين إلى الحبشة بإمرة ابن عمّ الرسول
و تآمرت قريش سرّاً على قتل النبي
وفي الليلة المحدّدة، أخبر الله تعالى نبيه بمكرهم، فأمر على بالمبيت على فراشه بعد أن
أعلمه بمكر قريش
سرّ على لأنّه سيفدي الرسول بنفسه، ونام في فراشه، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم
ولما اقتحموا الدار مشرعين سيوفهم، فوجئوا بأنّ شاغل الفراش هو عليّ، فأسقط في أيديهم، وملأهم الغيظ دون أن
يستطيعوا مواجهة سيف على
فقد أنجاه الله من بين أيديهم وأحبط مكرهم.
{ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (الأنفال - 30).
قال النبي : إنكم لم تعاملوني بالحسنى، كما يعامل المرء ابن بلده، لقد اتّهمتموني بالكذب والجنون، وأخرجتموني من داري وبلدي، ووقفتم منّي موقف الحرب والخصومة.
اذهبوا فأنتم الطّلقاء
بدأ عبدة الأصنام يرتجفون لمّا سمعوا هذا الكلام، وجفّت حلوقهم وانعقدت ألسنتهم من الخوف، وأيقنوا أنّ يوم الانتقام قد أزف، وأنّهم سيلقون جميعاً جزاءهم،
ويشربون من نفس الكأس التي جرّعوها للرسول وأصحابه، أذىً وتعذيباً وإذلالاً امتدّ لسنواتٍ.
أمّا الرسول الكريم، والذي لم يكن يفكّر
[ 39 ]
بالانتقام من أحدٍ، بل كان وحده بين هذه الجموع، يتطلّع إلى مستقبل الإسلام وصلاح أمر المسلمين، فقد تابع يقول: أمّا ما يعود إليّ، فإنّي سأنسى الماضي وأصفح عنك، «اذهبوا فأنتم الطّلقاء».
لم يكن أحد من عبدة الأصنام، ينتظر أن يسمع ما سمع، وأمام هذه العظمة والمحبّة والحلم، فقد غمرهم الإحساس بالخجل، إلى جانب الفرح والغبطة بعد أن أيقنوا بالنّجاة. وأعلن أكثرهم إسلامهم.
بعد أن أقام النبي في مكّة أياماً، يرتّب أمورها وينظم شؤونها، وبعد أن عيّن لإرداتها رجلاً يمتاز بالعقل والحزم، قفل عائداً إلى المدينة.
بين المسلمين والروم
بعد فتح مكة، أصبح الإسلام قوّةً كبيرةً، وحان وقت غروب شمس الطغيان، ومع انتشار الإسلام في الجزيرة العربية، وانتصارات المسلمين المتوالية في اليمن
وحنين وغيرهما، خيّم القلق على قوى
الاستكبار، وكان الفرس والرّومان في تلك الأيام، أكبر دولتين على وجه الأرض، وتحت تصرّف كلّ منهما قوة نظاميّة كبيرة. كان الروم قد انتصروا حديثاً على
الفرس، وغدوا أكثر إحساساً بقوّتهم وجبروتهم، وإذا بهم يفاجؤون بقوّة أخرى تقف في وجوههم و تتحّداهم، ألا وهي قوّة الإسلام.
كانت قوى الطاغوت تخشى أكثر ما تخشاه، الحركات الثورية، وخاصةً ثورة الفكر، لذا فقد صمّم المستكبرون الرّومان على القضاء على قوة الإسلام الوليدة،
وبأسرع ما يستطيعون.
وصلت أخبار سير جيش للروم، قوامه أربعون ألف مقاتل، إلى المسلمين، وأنّه بلغ حدود الشام وانضمّت إليه بعض القبائل من سكّان الأطراف، وصلت هذه
الأخبار إلى المدينة في وقت كان فيه الناس يعانون من نقصان الموادّ الغذائية، وهم لم ينجزوا بعد جمع محاصيلهم، لكنّ رجال الله يعرفون أنّ الذّود عن حياض
الإسلام، لا يتقدّم عليه أمر آخر. فلم تمض أيّام على صدور أوامر الرسول بالاستعداد، حتى تحرّك ووراءه ثلاثون ألفاً لم يكونوا قد أكملوا استعدادهم
بعد، في اتجاه الجبهة، بعد أن ترك عليّاً في المدينة ليقوم مقامه في حمايتها والدفاع عنها قائلاً له: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ
بعدي» وحين وصولهم إلى المواقع الأمامية، قرب تبوك، بعد أن تحمّلوا المصاعب والمشاق، لم يروا أثراً لجند الرومان، الذين كانوا قد تقهقروا داخل حدود
بلادهم خوفاً من الهزيمة امام جيوش المسلمين الزّاحفة.
توقّف الرسول ومقاتلوه هناك فترةً من الوقت، وبعد توقيعه عدداً من معاهدات الصداقة مع القبائل من سكّان الأطراف، عاد مع جيشه إلى المدينة
وكانت أخبار الفتح قد سبقتهم إلى هناك فتجمع أهلها لاستقبالهم. انتشرت أخبار فرار الرّوم أمام جيش المسلمين انتشاراً سريعاً واسعاً في كلّ مكانٍ، وأحسّت القبائل التي كان الخوف شاغلها من قوى
المستكبرين من الفرس والروم، أنّ لها ظهيراً جديداً يعتمد على حمايته. فأبرموا مع المسلمين العهود والمواثيق. وغدت قوّة الإسلام أخطر عدوٍّ للمستكبرين،
وأكبر ظهيرٍ للمستضعفين. نّ صرخات عمار بن ياسر تحت التعذيب، وأنين بلال الحبشيّ فوق صخور الصّحراء الملتهبة، ودم حمزة الزكي يسيل على أرض أحدٍ،
ودماء المئات من الشهادء التي امتزجت مع بعضها، قد آتت كلّها ثمارها الآن، فأمثال عمار في هذا الكون فازوا بالنجاة، وأمثال بلال قد وهبوا الخلاص من ربقة
الأسر، والدم الطاهر وثورة الشهداء المستمرّة عبر التاريخ، فجّرت الدّم يجري في شرايين أبطال الإسلام.