الأقليات ودورها في سقوط الدول الإسلامية ! ( بحث خطير)
كاتب الموضوع
رسالة
زهرة
~¤ô¦§¦ ادارة المنتدى ¦§¦ô¤~
الدولة : عدد المشاركات : 73740 نقاط : 111480 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 36 الجنس :
موضوع: الأقليات ودورها في سقوط الدول الإسلامية ! ( بحث خطير) الأحد سبتمبر 25, 2011 9:31 am
الأقليات ودورها في سقوط الدول الإسلامية !
جاء الإعلان عن تشكيل جبهة متحدة من العلمانيين والأقباط داخل مصر[1]، تعمل من أجل إلغاء الهوية الإسلامية والعربية للشعب المصري، من خلال الاستقواء بالخارج، وممارسة ضغوط داخلية وخارجية كبيرة على النظام المصري المثقل بالضغوط والملفات، من أجل إلغاء البند الأول والثاني في الدستور المصري، والذي ينص على هوية الدولة الإسلامية والعربية، وعلى اعتبار الشريعة الإسلامية أهم مصادر التشريع المصري.
جاء هذا الإعلان ليجدد المخاوف من الدور المتنامي للأقليات الدينية داخل البلاد المسلمة، واستخدام أعداء الأمة هذا الملف كورقة ضغط على الشعوب المسلمة من أجل تقديم المزيد من التنازلات المهينة، وقبول حلول مخزية في كثير من المسائل والقضايا، ومن أبرزها ملف فلسطين والعراق. ونحن في هذه الدراسة سنلقي الضوء حول الدور الخطير التي لعبته الأقليات الدينية داخل الدول الإسلامية عبر التاريخ؛ لنقف على خطورة تقديم تنازلات في هذا المضمار وعواقب الرضوخ لكل ما يطلبه هؤلاء الموتورون؛ لأنهم وبمنتهى البساطة لن يرضوا بأدنى من تدمير الأمة الإسلامية.
الأقليات والدولة المسلمة
فلقد كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن قضية علاقة المسلمين بغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، سواء كانت سماوية أو أرضية، وظهرت مصطلحات قديمة تم استحضارها من سلة مهملات التاريخ مثل: (زمالة الأديان)، (السلام العالمي)، (الإنسانية الدولية) إلى غير ذلك من الأفكار التي تم استيرادها خصِّيصَى لإثارة الجدل والشبه والشكوك على عقيدة المسلمين، ومن المصطلحات الحديثة التي ظهرت في الفترة الأخيرة (مصطلح الآخر)، ويقصد بالآخر "غير المسلم" الذين هم عادة اليهود والنصارى المقيمين داخل البلدان الإسلامية كأقلية وسط المجتمعات المسلمة. ولما كان هذا المصطلح كسابقيه يخفي تحت جمال ظاهره الكثير من الأباطيل، فلقد أفردنا الدراسة السابقة عن مصطلح الآخر وحقيقة وجوده، وأصل نشأته ومترادفاته الثقافية والتاريخية.
إن عداوة حزب الشيطان وأوليائه لحزب الرحمن وأوليائه عداوة أبدية باقية ببقاء الفريقين، فطالما هناك خير فهناك شر، وطالما هناك أهل للحق فهناك أهل للباطل. ولما كانت هذه العداوة باقية أبدًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإنها حتمًا ولا بد أن تتطور وتختلف أساليبها باختلاف الزمان، وتبعًا لطبيعة المرحلة تكون المواجهة، ولكل زمان سلاحه؛ فقديمًا كانت الحرب بالسيف والسهم، والآن بالصواريخ والطائرات، وقديمًا كانت حرب الإسلام بالغزو والاحتلال حال ضعف المسلمين، وبالكيد والمكر والشائعات حال قوتهم، وأعداء الإسلام ظلوا يطورون أساليبهم القتالية ضد أمة الإسلام، بل إنهم يغيرون أساليبهم الشريرة من بلد لآخر، فما يناسب بلدًا قد لا يناسب الآخر؛ فمثلاً كان الغزو والاحتلال أسلوبهم في أفغانستان أو العراق لضعف البلدين ووجود المنافقين فيها، وكانت السيطرة الاقتصادية والتحكم في المعونات أسلوبهم مع مصر والأردن وغيرهما.. وهكذا.
ومن الأسلحة الجديدة والتي ليست حقًّا بجديدة؛ لأنه قد سبق استخدامها وبنجاح - هو سلاح خطير اسمه (اضطهاد الأقليات) أو (كبت الحريات الدينية)، فلقد تم التلويح بهذا السلاح الخطير لمصر والسعودية (على الرغم من خلو السعودية من غير المسلمين)، وقاومت مصر قليلاً، ولكنها سرعان ما خضعت للتهديدات الأمريكية، وجاءت التنازلات تترى بعد إلغاء الخط الهمايوني، وتعيين بعض الأقباط في وزارات مهمة سيادية (مثل يوسف غالي وزير الاقتصاد)، ثم تُوِّجت التنازلات بإقرار يوم عيد الأقباط الأرثوذكس (7 يناير) إجازة رسمية في البلاد كلها، وما زال النهم القبطي نحو مزيدٍ من التنازلات لا ينقطع، حتى وصل الأمر للمطالبة باعتبار اللغة القبطية لغة رسمية للدولة مثل العربية!!
والعجيب أن المسلمين نتيجة جهلهم بدينهم وبتاريخهم يجعلون أمثال تلك الشبهات والتهم تروج عليهم، فيقعون صرعى حُمَّى التأويل الدفاعي للإسلام، وتعقد المؤتمرات للدفاع عن الإسلام ضد هجمات أعدائه، وينبري العلماء للدفاع عنه بصورة كأننا مخطئون ومذنبون، يقفون موقف المدافع ابتداءً، وتراهم يؤوِّلون ويشوهون حقائق الإسلام من حيث لا يشعرون، وهذا يذكرنا من قبل عندما احتل الإنجليز مصر بدعوى حماية الأقباط، ونشروا الشائعات عن ذلك، فانبرى العلماء والمشايخ للدفاع، ويا ليتهم ما فعلوا!! إذ قال الشيخ المراغي (شيخ الأزهر السابق) في رسالة بعث بها إلى مؤتمر الأديان العالمي: "اقتلع الإسلام من قلوب المسلمين جذور الحقد الديني بالنسبة لأتباع الديانات السماوية الأخرى، وأقر بوجود زمالة عالمية بين أفراد النوع البشري، ولم يمانع أن تتعايش الأديان جنبًا إلى جنب". وهذه عينة مما يمكن أن تنتجه حملات التشكيك على عقيدة المسلمين.
ولا أريد أن أطيل عليكم، إنما بالجملة كانت التهمة والسلاح الجديد المحارب به المسلمين هو (اضطهادهم للأقليات)، وتمسكهم بعقيدتهم الناصعة (عقيدة الولاء والبراء).
ولكن السؤال الذي يثور في هذا المقام، والذي يجب أن نجيب عليه للمسلمين ليس لغيرهم؛ لأن الأعداء لا يعنونا في هذا المقام بشيء، لأنه مهما حشدنا عليهم من حجج وأدلة لا يفيد ذلك، ولا يغيِّر من عداوتهم للمسلمين، هذا السؤال هو: ما موقف الأقليات من الدول المسلمة التي يعيشون تحت مظلتها؟ وما مدى توافق هذه الأقليات مع معنى المواطنة الصحيح؟ وهل هذه الأقليات حقًّا من ضمن النسيج الداخلي لهذه الدول وتعمل لصالحها؟ أما أنها طابور خامس يعمل ضد الأمة المسلمة التي رعتهم وآوتهم؟!
هم يطلبون منا أن نحبهم ونتولّهم ونجعلهم كالمسلمين بقلوبنا قبل أجسادنا، فهلاَّ سألوا (الآخر) عن موقفه من المسلمين؟! هل بحثوا في كتب التاريخ عن أفعال الأقليات مع المسلمين؟ ثم هل قرءوا في أحداث التاريخ عن موقف المسلمين إذا كانوا أقلية وأصبحوا هم (الآخر) في مجتمع غير مسلم، وكيف تصرف وتعامل معهم الأكثرية؟!
سوف نطوف في أحداث التاريخ الإسلام؛ لنرى حجم الجرائم التي ارتكبتها الأقليات في حق مجتمعاتها وبلادها، ودورها الخطير في سقوط العديد من الدول والممالك المسلمة عبر التاريخ.
الأقليات ودورها في سقوط الأندلس
عندما فتح المسلمون الأندلس كان أهلها من النصارى وبعضهم من اليهود، لم يعاملهم المسلمون معاملة الفاتح المتجبر الذي يستبيح الديار والأعراض، ولم يكرههم على ترك دينهم، إنما ترك لهم حرية الاعتقاد. وقامت دولة الإسلام في الأندلس بقوة وتمكُّن، خاصة في عهد الدولة الأموية وعبد الرحمن الداخل ومن جاء بعده، وكان النصارى المعاهدون (الآخر) قد أصبحوا أقلية؛ بسبب إسلام معظم أهل الأندلس بعد الفتح اختيارًا لا إجبارًا..
وكان (الآخر) يعيش آمنًا مطمئنًا على داره وعرضه وماله في ظل الحكومة الإسلامية، وكانوا يستوطنون القواعد الأندلسية الكبرى مثل قرطبة، وإشبيلية، وطليطلة، وبلنسية، وسرقسطة، ويتمتع النابهون من أبناء الأقلية النصرانية بعطف الخلفاء وثقتهم وتقديرهم، ويشغل الكثير منهم مناصب مهمة في الإدارة وفي القصر (لاحظ أن هذا مخالفٌ لما يجب أن تكون عليه عقيدة الولاء والبراء بين المسلمين، وما ورد من النهي عن اتخاذهم بطانة من دون المسلمين).
فلما سقطت دولة الخلافة الأموية بالأندلس وقامت دولة الطوائف المشئومة على الإسلام والمسلمين، طرأ تغيير ملحوظ على أحوال الأقليات حيث تمتعوا بحرية مطلقة في كل شيء أكبر من الأول بكثير، واعتنى ملوك الطوائف بالآخر بشدة، وأولاهم رعاية فائقة وبذلوا جهودًا كبيرًا في تأمين (الآخر) وحمايته وكسب مودته، وكان ملوك قرطبة وإشبيلية وسرقسطة يتسابقون في العطف على (الأقليات)، وكانت بواعث هذه السياسة الودية واضحة؛ ذلك لأن إسبانيا النصرانية في تلك المرحلة كانت بدأت تتفوق على الأندلس المسلمة، وبدأت تشن ما يُسمَّى بـ(حرب الاسترداد)..
وكان ملوك الطوائف يشعرون في هذه الأقلية بأنها مكمن للخطر والدسائس، وكان بنو عباد ملوك قرطبة أكثر الناس تسامحًا مع (الأقليات)، وبلاط بني عباد يغص بالنصارى واليهود، وعلى شاكلته كان باقي الملوك؛ فهذا (عبد الله بن بلقين) يصطنع النصارى، ويعتمد على الفرسان النصارى، ويتخذهم نصحاء وأمناء ووزراء يعاونونه في حربه ضد المسلمين!! وهذا ابن هود -نكبة الإسلام في شمال شرق الأندلس- كان أكبر ملوك الطوائف تسامحًا نحو (الأقليات)، ويعتمد على محالفة (النصارى) في كل مشاريعه ضد المسلمين، وكان هو السبب وراء بطولة الفارس الصليبي الشهير (الكمبيادور)، الذي أصبح فيما بعد أكبر نكبة على دولة الإسلام في الأندلس، وهو معدود ضمن أبطال إسبانيا القوميين حتى الآن.
هذه كانت حالة (الأقليات) في ظل حكم المسلمين بالأندلس.. رفاهية وأمان ورعاية وحماية ووزارة وبطانة، وكلها أمور يجب أن تجعل ولاءهم الأول لهذا الحكم وهذا المجتمع، ولكن كيف كان ردُّ فعل الأقليات تجاه كل هذه المزايا والنعيم؟!
كان النصارى (المعاهدون) بالرغم من هذه الرعاية والحماية، وهذا التسامح الكبير من جانب ملوك الطوائف لا يشعرون أبدًا أنهم جزء من المجتمع المسلم، ولم يشعروا قطُّ بعاطفة من الولاء نحو تلك الحكومة المسلمة التي كانت تبذل وسعها لحمايتهم واسترضائهم، بل لبثوا دائمًا على ضغنهم وخصومتهم لها وتبصرهم بها ينتهزون أية فرصة للإيقاع بها، وممالأة ملوك إسبانيا النصرانية ومعونتهم بكل وسيلة على محاربتها، وتسهيل مهمتهم في غزوها والتنكيل بها، والأمثلة على ذلك كثيرة منها:
أ- حصار قلمرية سنة 456هـ: وفيه قام النصارى المعاهدون، وقد كانوا كثرة في هذه المنطقة بدور بارز في معاونة الجيش الإسباني الصليبي، وقام رهبان دير (لورفان) القريب من قلمرية بمؤنهم المختزنة بإمداد الجيش الصليبي، ودلوهم على عورات المدينة حتى سقطت بيد الصليبيين.
ب- سقوط طليطلة سنة 478هـ: دأبت الأقليات في طليطلة على تدبير الدسائس وبث الفتن والاضطرابات داخل المدينة، والاتصال المستمر بألفونسو الصليبي زعيم صليبي إسبانيا، ومؤازرة الناقمين من المسلمين الأغبياء ضد الحكومة القائمة والعمل على تحطيم كل جبهة حقيقية للمقاومة، ولعبت الأقليات دورها على أكمل وجه حتى سقطت طليطلة بيد ألفونسو الصليبي سنة 478هـ.
ج- غزوة الأندلس الكبرى 519هـ: هذه الغزوة تمثل قمة الاجتراء والخيانة وذروة نكران الجميل من جانب الأقليات، عندما قام النصارى المعاهدون باستدعاء (ألفونسو الأرجوني)، المعروف بالمحارب وكان أقوى ملوك الصليبيين وقتها، لغزو الأندلس واحتلالها، ووعدوه بانضمام عشرات الألوف منهم، وأرسلوا له بأسمائهم في عرايض لضمان ولائهم، ووعدوه بالمساعدة بالذخائر والمؤن والأرواح والدماء. وبالفعل قام ألفونسو المحارب بغزوته الشهيرة واخترق قواعد الأندلس يعيث فيها فسادًا، وجنود (الأقليات) ينضمون إليه أثناء سيره يدلونه على المسالك والطرق ومداخل البلاد، ولكن بفضل الله وحده فشلت تلك الغزوة الجريئة، وعاد ألفونسو خائبًا، فما كان من (الأقليات ) إلا أن شعرت بخطورة موقفها، ففرَّ عشرات الألوف من النصارى، ورحلوا في صحبة (ألفونسو)، وتركوا ديارهم وأهليهم.
وبالجملة كانت الأقليات في الأندلس نكبة على البلاد والعباد، ورغم كل ما لاقوه من عون ورعاية وحماية من الحكومات الإسلامية، وكانوا طابورًا خامسًا للأعداء، وهذا ما أقر به مؤرخو الصليبيين أنفسهم، فهذا الأستاذ (بيدال) يقول: "إن نجم المعاهدين قد بزغ ثانية عقب انحلال الدولة الأندلسية وقيام دول الطوائف الضعيفة، واستطاعوا أن يؤدوا خدمات جليلة لقضية النصرانية والاسترداد النصراني".
بل إن الحرية الممنوحة لـ(الأقليات) دفعتها لئن يتطاولوا على المسلمين وأصلهم، كما نرى في الرسالة الشهيرة التي كتبها (ابن جرسيا) في تفضيل العجم على العرب سنة 450هـ، وهي رسالة تفيض تحاملاً ضد الجنس العربي، وتنوه بوضاعة منبته وخسيس صفاته، وحقارة عيشه وميوله وانغماسه في شهوات الجنس، وتشييد بالعكس بصفات العجم (كل من ليس عربي)، وترفعهم عن الشهوات الدنية وتبحرهم في العلوم وغير ذلك؛ مما يوضح نتاج سياسة التسامح واللين مع (الأقليات).
والجدير بالذكر أن خيانات وجرائم (الأقليات) المتكررة دفعت فقهاء المسلمين لئن يحملوا الحكام على عقابهم، كما حدث من كبير فقهاء الأندلس (ابن رشد الجد) عندما أصدر فتوى بوجوب تغريب النصارى المعاهدين من الأندلس إلى المغرب، وذلك سنة 521هـ، في عهد أمير المسلمين علي بن يوسف.
الأقليات ودورها مع المغول في دمشق
دائمًا يذكر المؤرخون أن سبب خروج المغول على بلاد المسلمين كان بسبب ما وقع بين جنكيز خان ملك التتار وعلاء الدين خوارزم ملك المسلمين وقتها، ولكن السبب الحقيقي الذي ذكره المحققون من المؤرخين هو الكيد الصليبي الذي خاف من إسلام قبائل المغول باحتكاكهم مع المسلمين، كما حدث لأبناء عمومتهم من الترك مثل السلاجقة والتركمان، والذي لو وقع لأصبح المسلمون قوة لا يقف أمامها أحد؛ فعمل الصليبيون على إرسال الرسل للتتار يحسنون فيها لهم غزو بلاد الإسلام، وغلاتها ومنتجاتها وخيراتها وحمالها، وكان سلاح النساء النصرانيات يعمل بقوة في التتار عندما دخلوا على شكل خليلات وعاهرات. المهم خرج التتار كالجراد المنتشر الذي يأكل الأخضر واليابس، ولا يذر شيئًا حتى تمكنوا من إسقاط الخلافة العباسية سنة 656هـ.
وواصلوا زحفهم حتى وصلوا إلى دمشق في شهر صفر سنة 658هـ، وجعلوا على المدينة واليًا من قبلهم رجلاً اسمه (إبل سيان)، وكان معظمًا لدين النصارى، وهذا يوضح أثر الصليبيين على المغول منذ البداية، فاجتمع هذا الشقي بأساقفة وقساوسة النصارى الذين كانوا يمثلون (الأقلية) في هذا الوقت، وعظمهم جدًّا، وزار كنائسهم، وصارت لهم دولة وصولة، وذهبت طائفة من النصارى إلى هولاكو، وأخذوا معهم هدايا وتحفًا، وقدموا من عنده ومعهم أمان (فرمان) من جهته، ودخلوا من باب (توها) ومعهم صليب منصوب يحملونه على رءوس الناس، وينادون بشعارهم ويقولون: (ظهر الدين الصحيح دين المسيح) ويذمون دين الإسلام وأهله، ومعهم أواني الخمر لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمرًا، ويرشون منها على وجوه الناس وثيابهم، ويأمرون كل من يجتازون به في الأزقة والأسواق أن يقوم لصليبهم..
ووقف خطيبهم إلى دكة دكان في السوق فمدح دين النصارى، وذمَّ دين الإسلام وأهله، ثم دخلوا كنيسة مريم، وأخذوا في ضرب النواقيس ابتهاجًا بما فعلوه، وكان في نيتهم إن طالت مدة التتار أن يخربوا المساجد والجوامع والمدارس وغيرها من آثار الإسلام، وعندما اعترض المسلمون ودخلوا على الشقي (إبل سيان) ليشكوا إليه، نهرهم وشتمهم وطردهم، وكان هذا فصلاً آخر من فصول موقف (الأقليات) عندما يجدون فرصة للتنفيث عن مكنونات صدرهم، ودفائن حقدهم.
الأقليات ودورها في الحملة الفرنسية على مصر
وفي مصر كان للأقليات جولة وجولات تطفح بمدى الشعور بالانعزال والانقطاع عن المجتمعات المسلمة التي ظلوا في حمايتها قرونًا عديدة، ولكن أبرز هذه الخيانات وأخس هذه الأدوار ما كان منهم عندما احتل الفرنسيون مصر سنة 1213هـ، بدافع صليبي مغلف بدوافع اقتصادية وتجارية وسياسية، ووجدوا أمامهم معارضة شعبية إسلامية قوية وصامدة من مسلمي مصر، فقرروا الاستفادة من وجود (الأقليات) بالديار المصرية، ولعبوا على وتر العقيدة الصليبية عندهم، ونجح الفرنسيون في استثارة (الأقليات) وجندوا العناصر النصرانية المصرية التي طالما عاشت وترعرعت آمنة مطمئنة بأرض مصر، وكان رمز الخيانة وقتها ممثلاً في شخصية المعلم (يعقوب حنا)، الذي يعدُّ أبرز من خانوا بلادهم في المجتمع الحديث، حيث قام هذا الصليبي الخائن بتكوين فرق عسكرية من النصارى المصريين، وقام الضباط الفرنسيون بتدريبهم على نظم أوربا العسكرية وتزويدهم بالأسلحة الحديثة لمساعدتهم في قمع الثورات الشعبية، وقد منحه الفرنسيون رتبة (جنرال)، ولقب القائد العام للفيالق القبطية بالجيش الفرنسي.
وقد استطاعت القوات الفرنسية بمعاونة ميليشيات يعقوب القبطي أن تقمع ثورة القاهرة الأولى سنة 1213هـ، وثورة القاهرة الثانية سنة 1214هـ، وقد أباح الكلب (كليبر) للمعلم يعقوب القبطي أن يفعل بأهل القاهرة ما يشاء بعد أن قمع ثورة القاهرة الثانية، فقام بإحراق الدور ونهب الأموال وتهديم المساجد وانتهك الأعراض، ووقع منه من المنكرات والأحقاد ما يعجز القلم عن وصفه، وكان يعقوب بن حنا القبطي وفرقته القبطية العسكرية بداية لما عرف في التاريخ المصري باسم (الفتنة الطائفية). والعجيب أنه صار بعد ذلك قديسًا يقام له بأرض مصر مولدٌ واحتفال بذكراه في الجهاد ضد المسلمين، ولكن العجيب من ذلك موقف المؤرخين النصارى المعاصرين حيث يثنون على ما قام به هذا الخائن الصليبي.
فهذا هو الكاتب الصليبي الشهير د. لويس عوض المعروف بكراهيته الشديدة للإسلام يقول: "إن الدور الذي قام به المعلم يعقوب حنا مع الفرنسيين ضد العثمانيين، يعتبر تعاونًا يستحق بموجبه أن يقام له تمثال من ذهب في أكبر ميادين القاهرة، ويكتب عليه أنه أول من نادى باستقلال مصر في العصر الحديث".
وما زال الجدل محتدمًا حتى الآن في مصر حول دور يعقوب حنا في الحملة الفرنسية، على الرغم من أن المؤرخين المعاصرين للحملة مثل الجبرتي قد وصفه بما يليق به من خيانة ونذالة وحقد على الإسلام والمسلمين.
الأقليات ودورها في سقوط الدولة العثمانية
ونحن هنا قد وصلنا للدور الأروع والأفظع والجريمة الأشنع التي قامت بها (الأقليات) في حق مجتمعاتها المسلمة ودولتها التي عاشت فيها ونمت وازدهرت، وهو ما قام به اليهود والنصارى من رعايا الدولة العثمانية، حيث كانت أوربا الصليبية في حربها ضد الدولة العثمانية حريصة على تمزيق الدولة بإثارة الفتن وتفجير الثورات الدينية الداخلية، وكانت أدواتهم في ذلك وسلاحهم الشرير في تنفيذ مخططهم الآثم هو اليهود والنصارى، رغم ما كانوا يلقونه من عناية ورعاية وعطف من سلاطين الدولة العثمانية، حتى إن كثيرًا من هؤلاء السلاطين قد تزوجوا من نساء (الأقليات).
ولربما يضطلع اليهود بالدور الأكبر في هدم الخلافة العثمانية، ولكن هذا لا يقلل دور النصارى في إثارة الفتن والقلاقل، وكان القساوسة ورجال الدين على صلات وثيقة بزعماء الدول الأوربية، وخصوصًا روسيا، وهذا يتضح من نص الوثيقة التاريخية المهمة التي أرسلها بها البطريرك (جريجوريوس) إلى قيصر روسيا يبين له فيها كيفية هدم الدولة العثمانية من الداخل، التي يركز فيها على كيفية تحطيم الروح الإيمانية والمعنوية للمسلمين، وتمزيق الروابط التي تجمعهم نحو النصر (عقيدة الولاء والبراء).
ولنعرض لدور طرفي (الأقليات) في سقوط الدولة العثمانية:
أولاً: دور النصارى في سقوط الدولة العثمانية:
كانت الدولة العثمانية تنظر إلى رعاياها النصارى على أنهم جزء من نسيج هذه الدولة يتولون المناصب ويشتركون في المعارك وينعمون بالأمن والأمان، والرفاهية التامة، وازداد نفوذهم مع تدهور الدولة العثمانية، وانتشار الأفكار التغريبية، خاصة من بداية عهد السلطان محمود الثاني المتوفى سنة 183م/1255هـ، والذي فتح المجال على مصراعيه للنصارى، ومسخ عقيدة الولاء والبراء تمامًا، فها هو يقول في إحدى خطبه: "إني لا أريد ابتداءً من الآن أن يميز المسلمون إلا في المسجد، والمسيحيون إلا في الكنيسة، واليهود في المعبد، إني أريد ما دام يتوجه الجميع نحوي بالتحية أن يتمتع الجميع بالمساواة في الحقوق".
لذلك نعمت النصرانية في عهده بحرية تامة جدًّا، ثم جاء من بعد السلطان عبد المجيد الأول المتوفى عام 1860م/ 1277هـ، وكان شابًّا في السادسة عشرة، فعبث برأسه المفتونون بالغرب، وعلى رأسهم "مصطفى باشا رشيد" الذي أصدر (خط شريف جلخانة) الذي ينص على المساواة في الحقوق والواجبات بين المسلم وغير المسلم، ثم أتبعه بالخط الهمايوني الأكثر انحلالاً، والذي ينص على 8 نقاط ترشح وتؤكد على المساواة بين المسلم وغير المسلم في كافة الحقوق والواجبات، وتكتب شهادة بوفاة عقيدة الولاء والبراء عند هؤلاء القوم. ورغم كل هذه الحريات التي تصل لمرحلة التمييع الشديد والطمس الكامل لعقيدة الولاء والبراء، كيف جاء رد فعل الآخر على هذه التنازلات؟ وهل شعر أنه جزء من هذا الوطن الذي لا يفرق بينه وبين غيره؟
الجواب: لا؛ فالنصارى دأبوا على التحريض والثورات، ويتضح ذلك جليًّا في ثورة اليونان الكبيرة سنة 1821م/1237هـ.
وفي عهد مَن؟ في عهد محمود الثاني الذي فتح الباب للنصارى على مصراعيه، وفي هذه الثورة كان النصارى يهاجرون من بلادهم إلى اليونان للاشتراك في ثورتها ضد الدولة العثمانية، وتسببت تلك الثورة في إضعاف الدولة العثمانية وتنازلها لروسيا عن الكثير من الموانئ والبلاد، وانفصال الشام ومصر تحت حكم العميل محمد علي باشا.
ويتضح أيضًا هذا الدور من ثورات النصارى الدائمة بأرمينيا وجورجيا الذين كانوا يرون دائمًا في الدولة العثمانية عدوًّا أبديًّا يجب التخلص منه.
ويتضح أيضًا هذا الدور في المحافل الماسونية التي دخلت بلاد الإسلام مع الحملة الفرنسية على مصر 1213هـ، حيث كانت معظم هذه المحافل مكوَّنة من النصارى، ومنها خرجت الأفكار العلمانية والقومية، فنجد أن فكرة القومية العربية التي وضعت أصلاً لضرب الولاء والبراء بين المسلمين نشأت ببيروت على يد رجال أمثال بطرس البستاني، وإبراهيم اليازجي، وغيرهم من رجال (النصارى) المشهورين.
دور اليهود في سقوط الدولة العثمانية:
إن كان للنصارى دور كبير في سقوط الدولة العثمانية، فإن اليهود هم أصحاب الدور الأكبر والأخبث في تلك المهمة القذرة؛ ذلك لأن النصارى كانوا يعتمدون سياسة الثورة والقوة التي تهدف لتحطيم الدولة عسكريًّا، أما اليهود فقد كانوا يعملون في الخفاء وينخرون في جسد الأمة كالسوس، يقفون بالمرصاد أمام محاولات الإحياء والصحوة، ويروجون لكل المنظمات والأفكار الهدَّامة التي من شأنها على المدى البعيد أن تقوض هذا الملك الكبير، هذا مع كبير الجميل الذي قام به العثمانيون تجاه اليهود؛ ذلك لأنه في عهد سليمان القانوني المتوفى سنة 97هـ/1566م، وقعت محنة محاكم التفتيش بالأندلس للمسلمين واليهود..
وتشرد من اليهود مئات الألوف، وهاموا على وجوههم، ورفضت كل البلاد استقبالهم لسابق سوء صنيعهم وسمعتهم الشهيرة في الفساد والشر، وكان سليمان متوجًا من امرأة يهودية كالأفعى اسمها (روكسلان) ظلت تستعطف سليمان ليتقبل اليهود ببلاده، حتى وافق وأذن لهم بالاستيطان بالبلاد الثمانية فاستوطنوا الأناضول خاصة (إزمير، سلانيك، أدرنة) وتمتعوا بقدر كبير من الاستقلال الذاتي، وتولوا المناصب واقتنوا الثروات وعاشوا في حرية ورفاهية تامة، فماذا كان رد فعلهم؟ وكيف تعاملوا مع دولتهم ومجتمعهم؟
أخذ اليهود في إنشاء جماعة خاصة بهم غرضها إفساد عقائد المسمين والدعوة لتجميع اليهود من شتى أنحاء العالم لاتخاذ القدس مقرًّا لهم، وهؤلاء معروفون بـ (يهود الدونمة)، وداعيتهم (شتباي زيفي) الذي ادعى النبوة وذاع أمره بأوربا والشام ومصر، وجاءته وفود اليهود لتبايعه، ولما أخذته الدولة العثمانية لتعاقبه، ادعى الإسلام وأظهر أنه مسلم وسمى نفسه (محمد البواب)، وطلب من الدولة أن تأذن له في الدعوة للإسلام بين اليهود، وظل (شتباي زيفي) على يهوديته في الباطن يمارس العمل للصهيونية في الخفاء، ويظهر الإخلاص للإسلام في العلن. وتعتبر حركته (يهود الدونمة) حركة سياسية موجهة ضد الدولة العثمانية، أكبر من كونها حركة دينية، وكان لها إسهامات عديدة في هدم الخلافة عن طريق:
أ- هدم القيم الإسلامية في المجمع العثماني المسلم، والعمل على نشر الإلحاد والأفكار الغربية، والدعوة للعري والاختلاط بين الرجال والنساء، خاصة في المدارس والجامعات.
ب- قام يهود الدونمة بدور فعّال في نصرة القوى المعادية للسلطان عبد الحميد، والتي تحركت من (سلانيك) لعزله، وهم الذين سمموا أفكار الضباط الشباب وتغلغلوا داخل صفوف الجيش.
ج- قام اليهود بالتأثير في جمعية الاتحاد والترقي، تحكموا فيهم وحركوهم كالدمى؛ حتى ينفذوا مخططهم الشرير في عزل عبد الحميد وتطبيق الدستور العلماني.
د- أسسوا المحافل الماسونية داخل الدولة العثمانية، واستخدموا شعارات خادعة مثل الحرية ومكافحة الاستبداد ونشر الديمقراطية؛ لاجتذاب البسطاء وترويح الأفكار الهدامة.
ويعتبر (شتباي زيفي) والذي هلك سنة 1678م/1067هـ، أول من نادى باتخاذ فلسطين وطن قومي لليهود، ويعتبر المؤسس الحقيقي للصهيونية العالمية، وذلك قبل (تيودور هرتزل) بثلاثة قرون، ويكفي أن نعرف أن (مصطفى كمال) ينتسب إلى هذه الطائفة اليهودية الخبيثة؛ لندرك مدى دورها في تحطيم الخلافة العثمانية.
ويعتبر اليهودي (موئيز كوهين) مؤسس الفكر القومي الطوراني، وكتابه في القومية الطورانية هو الكتاب المقدس للسياسة الطورانية التي قوضت الخلافة العثمانية، وأحبطت فكرة الجامعة الإسلامية، واليهود يؤكدون على دورهم في تحطيم الخلافة العثمانية بإرسال أحد كبار اليهود، وهو (إيمانويل قراصو) وهو من قادة الاتحاد والترقي ليسلم السلطان عبد الحميد قرار عزله كنوع من التشفي والانتقام، وإظهار عاقبة رفض عبد الحميد لطلبهم باستيطان فلسطين.
هذه كانت جولة سريعة في أحداث التاريخ السابقة التي ربما تكون غائبة عن ذهن المسلمين الآن كعادتهم مع تاريخهم التليد، وضحنا فيها موقف (الآخر) من قضية "الولاء والبراء"، أما واقعنا الحاضر وتاريخنا القريب فهو مليء أيضًا بالمواقف التي تبرهن لنا على حقيقة موقف الآخر في مجتمعه المسلم، نذكر منها رءوس أقلام للتذكرة والتنبيه:
- ما جرى من الآخر في بلاد البوسنة والهرسك والمجازر البشعة التي ارتكبت في حق المسلمين، لا لشيء إلا لأنهم أرادوا أن يكون لهم دولة خاصة تحمل شعار الإسلام.
- ما جرى من الآخر في بلاد كوسوفا ومقدونيا.
- ما جرى من الآخر في الشيشان.
- ما جرى من الآخر في جنوب السودان وجنوب نيجيريا وساحل العاج وإثيوبيا وإريتريا.
- ما جرى من الآخر في لبنان، وخيانة الآخر الكبيرة بتكوين جيش صليبي بقيادة أنطوان لحد.
وما زالت دماء المسلمين تُراق كل يوم وليلة في شتى بقاع الأرض على يد (الأقليات)، والتي نعمت مئات السنين تحت حكم الإسلام.
مما سبق عرضه من هذه الدراسة التاريخية الموجزة، والعرض السريع لأحداث التاريخ القديم والمعاصر يتضح لنا عدة أمور مهمة في قضية الأقليات، وموقفهم تجاه المجتمعات التي يحيون فيها، ومنها:
أولاً: أن الأقليات قد نعمت في ظل حكم الدولة الإسلامية بكل أنواع الأمان والرفاهية والمساواة التي لم يكن يخطر لهم بمثلها على بال لو حكم بعضهم بعضًا (مثلما حدث من الأسبان عندما حكموا الأندلس طردوا كل اليهود منها)، ولم يعلم من أحداث التاريخ شيئًا يدان به المسلمون في معاملتهم للأقليات، بل إن حسن المعاملة كانت سببًا لإسلام الكثير منهم، كما حدث مع نصارى حمص أيام ولاية أبي عبيدة بن الجراح t سنة 15هـ.
ثانيًا: أن الأقليات رغم كل هذه المعاملة الحسنة والتسامح الكبير الذي يصل إلى حد التساهل، لم يشعروا أنهم جزء من المجتمع المسلم، بل دائمًا وأبدًا يشعرون أنهم نسيج بمفرده، مثلما حدث مع نصارى مدينة طرابلس الشامية الذين رحلوا بعيالهم ونسائهم مع الصليبيين عندما خرجوا من هذه المدينة مع نهاية الحروب الصليبية سنة 680هـ، ونجد أيضًا أن الإنجليز عندما احتلوا العراق سنة 1917م/1335هـ، دخلوا بغداد في استقبال رائع وكبير من اليهود والنصارى الذين أعلنوا أنهم في خدمة الإنجليز وتحت تصرفهم، وعندما طالب المسلمون بالعراق تكوين دولة مستقلة لهم من شمال الموصل إلى الخليج العربي سنة 1338هـ، رفض اليهود والنصارى ذلك، وطلبوا أن يكونوا رعايا بريطانيين.
ثالثًا: أن (الأقليات) لم تكتف بانعزالهم شعوريًّا ووجدانيًّا عن المجتمعات المسلمة التي يحيون فيها، بل تمادوا في ذلك، وأصبح بمنزلة (الطابور الخامس) لأعداء الأمة المسلمة، يحيكون الدسائس وينقلون الأخبار ويتجسسون لصالح الأعداء، فهم مع كل عدو وحاقد على الإسلام، حتى ولو لم يطلب الأعداء منه العمل؛ فالأقليات دائمًا تحت أمر وخدمة وتصرف أعداء الإسلام، ولم نجد منهم موقفًا واحدًا في نصرة الدين أو الدفاع عن مجتمعه المسلم الذي يحيى فيه، إلا ما كان اضطراريًّا أو دفاعًا عن النفس.
رابعًا: أن (الأقليات) لم تنشط أو ترفع رأسًا أو تحيك المؤامرات أو تتعاون مع أعداء الإسلام إلا في الفترات التي تضعف فيها عقيدة الولاء والبراء عند المسلمين أنفسهم، ويتساهلون مع (الأقليات) ويرفعونهم إلى درجة المساواة مع المسلمين، كما حدث عند إطلاق الخط الهمايوني في عهد السلطان (محمود الثاني)، حيث شهد هذا العصر إطلاق المحافل الماسونية والمدارس التبشيرية والإرساليات النصرانية، وظهور الأفكار التحررية والعلمانية، ومن قبل نشطت الأقليات في الأندلس في عهد ملوك الطوائف المشهورين؛ لتمييعهم الشديد في أمر الإسلام، وضعف عقيدتهم الإسلامية؛ مما أتاح الفرصة أمام (الأقليات) لئن تتآمر مع إسبانيا الصليبية، وتضيع حواضر الإسلام التليدة؛ قرطبة، طليطلة، إشبيلية.
وعلى المقابل، ففي الفترات التي كانت الدولة المسلمة تطبق شرع الله بصورة تامة وكاملة، خاصة عقيدة الولاء والبراء، وكانت شروط أهل الذمة تطبق على الأقليات، كانت هذه الفترات هي فترات القوة والعظمة، والفترات التي لم يستطع فيها أهل الذمة أن يتحركوا أو يُخرِجوا مكنون صدورهم، أو حتى يفكروا في التآمر على المجتمع؛ لأنهم يعلمون علم اليقين أن يد الشرع ستطولهم، وعندها يكون العقاب الأليم والحد الفاصل.
خامسًا: أن المتاعب والفتن التي تسببت فيها (الأقليات) لمجتمعاتهم المسلمة لم يكن لها أن تحدث لو أن المجتمع المسلم كان ملتزمًا بشرعه، متمسكًا بعقيدته النقية، وهذا يقودنا إلى حقيقة مهمة قررها القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، عندما قال رب العزة: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].
فمهما فعل المسلمون، ومهما قدموا من تنازلات للأقليات، ومهما تساهلوا وتهاونوا معهم إلى حد التمييع فلن يرضوا أبدًا عن كل هذا، ولن يشعروا بأنهم جزء من هذا المجتمع، ولن ترضيهم قصائد المدح وشعارات الوحدة الوطنية الجوفاء، وإفطارات الكنائس والإجازات الرسمية والكنائس الجديدة... إلى غير ذلك، فكل ذلك لن يُرضيهم أبدًا؛ لأنهم أولاً وأخيرًا أعداء لله ولرسوله، وصدق الشاعر عندما قال:
كل العداوات تُرجى مودتها *** إلا عداوة من عاداك في الدين
المصدر: موقع الألوكة، نقلاً عن مفكرة الإسلام.(ا/ شريف عبد العزيز )