Your browser does not support inline frames or is currently configured not to display inline frames.
رسالة التتار للمسلمين : لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن رد السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان..
فأبشروا بالمذلة والهوان
فبينما
كان قطز في إعداده المتحمس، وفي خطواته السريعة، جاءته رسل هولاكو يخبرونه
أن اللقاء سيكون أسرع مما يتخيل، وأن الحرب على وشك الحدوث.. وبينما
كان قطز رحمه الله في حاجة إلى بضعة شهور للإعداد إذا بالأيام تتسرب من
بين يديه، والحرب مفروضة عليه، وما بين عشية وضحاها ستهجم الجحافل الهمجية
على مصر، شاء قطز أم أبى، وشاء الجيش أم أبى، وشاء الشعب أم أبى، فالصراع
سيكون قريباً، وقريباً جداً بين أي فئة مؤمنة، وبين أكبر قوة في الأرض إن
كانت هذه القوة ظالمة، فالظالمون المتكبرون لا يقبلون أبداً بصديق ولا حليف
ولا محايد، إنما فقط يريدون التابع، ولابد أن يكون التابع ذليلاً!!..
جاءت رسل هولاكو لعنه الله، وهي تحمل رسالة تقطر سماً، وتفيض تهديداً ووعيداً وإرهاباً.. لا يقوى على قراءتها إلا من ثبته الله عز وجل..
"ولولا أن ثبتناك، لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً"..
وبفضل
الله ثبّت الله عز وجل قطز، فقرأ الرسالة برباطة جأش عجيبة، وكذلك المؤمن
الصادق، إذا خوّفه أحد الظالمين، استحضر هيبة الله تعالى، فهان عليه كل
ظالم أو متكبر..
جاءت رسالة هولاكو مع أربعة من الرسل التتر.. وقرأ قطز رحمه الله فإذا فيها ما يلي:
"بسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملكنا أرضه، وسلطنا على خلقه..
الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس "المماليك"..
صاحب مصر وأعمالها، وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها، وباديها وحاضرها، وأكابرها وأصاغرها..
أنّا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غيظه..
فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر..
فاتعظوا بغيركم، وسلّموا إلينا أمركم..
قبل أن ينكشف الغطاء، ويعود عليكم الخطأ..
فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى..
فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد..
فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب..
فأي أرض تأويكم؟ وأي بلاد تحميكم؟
وأي ذلك ترى؟ ولنا الماء والثرى؟
فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص
فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق..
وقلوبنا كالجبال، وعديدنا كالرمال!
فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع!
لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن رد السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان..
فأبشروا بالمذلة والهوان
)فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تعملون) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون(..
وقد ثبت أن نحن الكفرة وأنتم الفجرة..
وقد سلطنا عليكم من بيده الأمور المدبرة، والأحكام المقدرة..
فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم عينا من سبيل..
فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا رد الجواب..
قبل أن تضطرم الحرب نارها، وتوري شرارها..
فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً، ولا كتاباً ولا حرزاً، إذ أزتكم رماحنا أزاً..
وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية..
فقد أنصفناكم، إذ أرسلنا إليكم، ومننا برسلنا عليكم"..
وانتهت
الرسالة العجيبة التي خلت من أي نوع من أنواع الدبلوماسية، إنما كانت
إعلاناً صريحاً بالحرب، أو البديل الآخر وهو التسليم المذل، ولابد أن يكون
التسليم مذلاً، بمعنى أنه دون فرض أي شروط، أو طلب أي حقوق..
-فكان
من وسائل التتار المشهورة لشن حرب نفسية على المسلمين كتابة الرسائل
التهددية الخطيرة، وإرسالها إلى ملوك وأمراء المسلمين، وكان من حماقة هؤلاء
الأمراء أنهم يكشفون مثل هذه الرسائل على الناس، فتحدث الرهبة من التتار،
وكان التتار من الذكاء بحيث إنهم كانوا يستخدمون بعض الوصوليين والمنافقين
من الأدباء المسلمين ليكتبوا لهم هذه الرسائل، وليصوغوها بالطريقة التي
يفهمها المسلمون في ذلك الزمان، وبأسلوب السجع المشهور آنذاك، وهذا ولا شك
يصل إلى قلوب الناس أكثر من الكلام المترجم الذي قد يفهم بأكثر من صورة،
كما أن التتار حاولوا في رسائلهم أن يخدعوا الناس بأنهم من المسلمين،
وليسوا من الكفار، وأنهم يؤمنون بكتاب الله القرآن، وأن جذورهم إسلامية،
وأنهم ما جاءوا إلى هذه البلاد إلا ليرفعوا ظلم ولاة المسلمين عن كاهل
الشعوب البسيطة المسكينة (ما جاءوا إلا لتحرير العراق!!)،
ومع أن بطش التتار وظلمهم قد انتشر واشتهر، إلا أن هذا الكلام كان يدخل في
القلوب المريضة الخائفة المرتعبة، فيعطي لها المبرر لقبول اجتياح التتار،
ويعطي لها المبرر لإلقاء السيف، ولاستقبال التتار استقبال الفاتحين
المحررين بدلاً من استقبالهم كغزاة محتلين..
لقد
كانت هذه الرسائل التترية تخالف الواقع كثيراً، ولكنها عندما تقع في يد من
أحبط نفسياً وهزم داخلياً، فإنها يكون لها أثر ما بعده أثر..