القدس–
من علي سمودي – لم يملك الاسير مخلص أحمد محمد برغال (49 عاما )سوى قلم
وورقه في سجنه "شطة " ليخط لوالدته الحاجة ليلى برغال (84 عاما )رسالة عهد
ووفاء في ذكرى اعتقاله وهو يدخل عامه الخامس والعشرين في الاسر ، فعنونها
بصورتها ووقعها بوردة حب وامل حتى لا يموت الحلم الذي افنت الوالدة الصابرة
عمرها تنتظر اكتماله بعدما رحل رفيق الدرب الزوج والوالد، فصمدت بين جدران
منزلها في مدينة اللد تقاوم الامراض بزيارته وتتحدى الغياب القسري بالامل
الذي تطالعه صباح مساء في اعماله الفنية ولوحاته وابداعاته وصوره التي تزين
كل ركن وزاوية لتمنحها نبض الحياة وبصيص النور كما قالت .

رسالة لامي ....

مخلص
الذي انتزعه المحتل في اعتقاله الثاني من احضان والدته في 11-9-1987 ،
فعاش في سجنه بقدر ما عاش في حياته حرا ، اطلق العنان لقلمه في لحظة استحضر
فيها ذكريات كل السنوات الماضية ليخاطب والدته وتحت عنوان "لا املك ان
انصفك "،كتب يقول "بعد اول لحظة من اطلالتها المباركة في خاطري او قولي او
كتابتي لماثرة الماثر امي ، في تلك اللحظة ينتابني شعور بالامتلاك العاطفي
والارتواء الوجداني ،اتسمر بتفكيري وحديثي وكتابتي ، فامي تغمرني متالقة
باجمل تجليات ،مزايا الحياة ، وسرعان ما اكتشفت انها تجعل من مساحتي في
الحياة حديقة زاهرة مفعمة بكل الخيرات ، فارتوي واتغذى منها ، تداهمني
السعادة وتمتلك نفسي روح التفاؤل ويتجدد عندي طول الامل فيصبح الانطلاق في
مسار حياتي هو طبعي وطابعي".










بين الحياة والانتظار

وبين ثنايا الكلمات ، فان مخلص
الذي يعتبر من عمداء الحركة الاسير والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ويحتل
الترتيب الحادي عشر على قائمة قدامى أسرى الداخل ،يقر ان كلماته تعجز عن
التعبير عن القيم التي زرعتها والدته في اعماقه، فهي مدرسة النضال والثورة
قبل ان يلتحق بجبهة الحكيم وكنفاني ، فمنها تعلم سر الحب للوطن ، ومن
عينيها قرا تفاصيل الحكاية وعرف موقعه فلم يتردد ، فالتحق في صفوف الجبهة
الشعبية ، ثم على يديها ادرك سر النضال والتحدي وفنون العشق للوطن وبعد
اعتقاله الاول لثلاث سنوات ونصف لم يتراجع وواصل المسير ، فكان الاحتلال
بالمرصاد ليصادر حياته في حكم يمتد لمدى الحياة ،كان الاكثر حزنا فيه لحظات
الم ووجع الوالدة بعد عجز كل الجهات عن منحه اخر فرصة لوداع والده " أبو
محمد " عام 1991 ،رغم تأخير دفنه لبضعة أيام ولم يُسمح له بإلقاء نظرة
الوداع الأخيرة على والده والمشاركة بتشييع جثمانه ، فاصبحت ام محمد الام
والاب والحياة باكملها لاسيرها الذي انتظرته في كل الصفقات ولكنهم حاكموا
احلامها بالمعايير التي ما زالت تحرمها اللقاء به، ورغم ذلك صمدت ولم تتاخر
عنه بزيارة حتى في لحظات اشتداد الامراض التي نالت من جسدها ولم تنال من
ارادتها وعزيمتها ،فاستقبلت وعاشت في كل المناسبات والاعياد على بوابات
السجون التي كتب اسم اسيرها على جميع جدران سجونها وزنازينها وهي تمنحه
القوة والارادة والامل ، لذلك تابع في رسالته الحديث من اعماقه لسر حياته
،فقال" في كل يوم ولحظة وثانية ، وبين كل الزوايا والمحطات اكتشفت انني
اكتشفت مرة اخرى واخرى واخرى سر حياتي ،سر قوتي ومنبعها امي ، امي الجسد
تعبت ، بدت في عيونها وعلى وجهها قساوة القدر، اعياها المرض واثقل كاهلها
الزمن،اما امي فلم تزدد الا نضارة واشعاعا ووهجا وبهاء "، واضاف "كنز من
كنوز الارض امي ، ام الحكايات والروايات ، اية الايات في الحب والعطاء
والحنان ، امي الحياة التي تعطي الحياة ".

فينوس وعشتار

وهل
تكفي الكلمات في رسالة قد تمر او تعبر عبر اجراءات لا تنتهي والعمر يمضي
وما زال ننتظر ، ولا زال الجرح ينزف بالم بعد سنوات وعقود تتجدد فيها
لحظات الفراق ، ولكنه الالم ، يتحدث مخلص بفخر واعتزاز عن صمود وقوة والدته
وهي تتحدى وتقاوم رغم اشتداد المحن وعثرات الزمن ، فقد صبرت وتحملت اقسى
الظروف ، وافتخرت به ، بل ويعترف بفضلها الكبير في منحه القوة ليواجه امراض
السجن الكثيرة ، وليصر على تحدي السجن بالتعليم الذي توجه بنجاحه الذي
مكنه من الحصول على شهادة الماجستير بامتياز في العلوم السياسية والتاريخ
والتي اهداها لمن اعطته الحياة وامل لن يتخلى عنه ، التي ختم رسالته
بالدعاء والامنيات لها معتذرا على استمرار عذاباتها وداعيا لها بطول العمر
حتى تكتمل الصورة بين احضانها ، وقال "معذرة اماه ـ لا املك ان انصفك فانت
فينوس وعشتار معا ،انت ام ، امي وانا لست سوى انسان .

عقاب الرسالة

رسالة
برغال المتواضعه البسيطه المفمعه بالمشاعر والشوق والحنين لوالدته و التي
وقعها بكلمتين ولدك مخلص ، لم تشكل خطرا على الامن الاسرائيلي ، ولم تضم
بين حروفها واسطرها اي انتهاك للقانون الذي تفرضه ادارة السجون الاسرائيلية
التي تتحكم برسائل الاسرى ، ورغم ذلك فان ادارة سجن شطة لم تتردد عن
عقابه وعزل مخلص في زنزانة انفرادية عقابا له بسبب اخراجه الرساله ، لذلك
فان الوالدة التي لا تتوقف عن تقبيل الرسالة تقول " ماذا تبقى بعد كل هذه
السنوات ليعاقبوا ابني من اجل رسالة ، ان المشكلة ليست بالرسالة التي تخضع
لرقابتهم كما حياة وانفاس الاسرى وانما بما يعبر عنه هذا السلوك من اصرار
على الانتقام والعقاب وفرض الحياة القاسية بحق الاسير حتى يحرم من مجرد
التعبير عن مشاعره ".

ربع قرن

واضافت الوالدة الصابرة ،"
ربع قرن حرموني من عناقه وفرحتي المؤجلة واحلام العمر ، فالى متى سيبقون
يتحكمون بحياتنا ؟، والى متى سنبقى ندفع الثمن حتى عندما نعبر عن مشاعرنا
؟، تلك هي الماساة وكلي امل ان يدرك الجميع مدى وابعاد هذا الظلم المرتكب
بحق ابطال الحرية ومناضلي الكرامة وان ينتصروا لصرخات مخلص الذي اخلص
لقضيته وشعبه ومبادءه وما زال يعطي ويناضل ويضحي مع كل رفاقه بكسر القيود
ومعايير الظلم الاسرائيلية وتكريمهم جميعا الاسرى القدامى وفي مقدمتهم
اسرى الداخل والقدس والجولان بحرية نفخر بها وتتصر لتضحياتهم ليعودوا
مرفوعي الهامة احرار كما ولدتهم امهاتهم فهم اولى من يستحق الحرية ".

دعيني أنحي قلمي قليلا
أقف أحتراما لكِ
ولقلمك
وأشد على يديك لهذا الابداع
الذي هز أركان المكان

شكرا على احلى مرور
والتى دايما تمتعنى بمرورها الجمييييييييييييييييييييييل