استمعت محكمة جنايات القاهرة أمس لمرافعة عدد من المحامين المدعين بالحق المدنى فى محاكمة القرن، المتهم فيها الرئيس السابق محمد حسنى مبارك ونجلاه علاء وجمال، ووزير داخليته، حبيب العادلى و٦ من كبار مساعديه، بتهم قتل المتظاهرين والفساد المالى وتصدير الغاز لإسرائيل،
وطالب المدعون بتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين والإعدام شنقا للمتورطين فى جريمة قتل المتظاهرين، وطلبوا من المحكمة توجيه تهمة الشهادة الزور لكل من المشير محمد حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، واللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق.
وقال الدفاع إن الشاهدين أدليا بمعلومات وصفها بأنها كاذبة، وتدخل فى نطاق شهادة الزور، أمام المحكمة، وحاول الدفاع شرح تفاصيل تلك الوقائع، فطالبته المحكمة بتقديم مذكرة مكتوبة بها دون الخوض فيها فى المرافعة، وعلى مدار ٤ ساعات حاول المدعون بالحق المدنى تقديم بعض الأدلة التى تثبت إدانة المتهمين فى الجرائم المنسوبة إليهم، فى الوقت الذى تطرق فيه بعضهم إلى مرافعات سياسية، وهو ما جعل المحكمة تطالبهم أكثر من مرة بالتحدث فى الشق الجنائى.
ونظراً لتحسن الحالة الجوية، فقد أقلعت الطائرة المخصصة لنقل الرئيس السابق من محبسه فى المركز الطبى العالمى إلى مقر انعقاد المحكمة فى أكاديمية الشرطة فى التاسعة والنصف صباحا، فى الوقت الذى تسبب فيه نقل باقى المتهمين من سجن مزرعة طرة فى أزمة مرورية على الطريق الدائرى،
وهو ما جعل بعض المواطنين يتشاجرون مع قوات التأمين، وقال بعضهم: «إنتوا بتحموهم كمان وهما متهمين»، ورد أحد الضباط: «نحن ننفذ عملنا».
بدأت الجلسة رقم ١٦ فى القضية والمخصصة لمرافعة المدعين بالحق المدنى فى العاشرة صباح أمس، وكعادة كل الجلسات نادى القاضى على المتهمين لإثبات حضورهم، فردوا جميعا بما يفيد بحضورهم، وظهر تحسن فى الحالة الصحية لمبارك من خلال الكلمة التى رد بها على القاضى «موجود»، وطلبت المحكمة بعدها من المدعين بالحق المدنى أن يبدأوا فى مرافعتهم، وكان سامح عاشور، نقيب المحامين، أول المتقدمين.
وقال سامح عاشور فى مرافعته: «نحن أمام أكبر قضية فى تاريخ مصر الحديثة، فكل الثورات العربية انتهت بمحاكمة الثوار لحكامهم مثل ما حدث فى ليبيا، لكن ثورتنا شاء لها القدر أن تكون أمام المحكمة، لسنا إلا أمام قضية جنائية عادية،
لكنها قضية قتل الوطن واغتصابه، كانت هناك محاولات لاغتيال الوطن وتوريث الحكم، وبدأ هذا المشروع منذ سنوات طويلة عندما بدأت فكرة توريث الحكم لجمال مبارك.
وتابع عاشور: «للأسف شارك عدد كبير من المفكرين والسياسيين فى تعديل الدستور، حتى يصبح جمال مبارك مرشحاً منفرداً، وجعلوا الترشح مستحيلاً إلا على شخص واحد اسمه جمال مبارك، وهذه تعد فضيحة سياسية، وضعوا كل العقوبات لمنع رموز المعارضة، وزورا انتخابات مجلسى الشعب والشورى،
لدرجة أن المحاكم أصدرت ١٣٠٠ حكم ببطلان الانتخابات الأخيرة، ولم ينفذوا سوى ١٥ فقط، لأن المطلوب أن يتحول البرلمان إلى أداة لتسليم السلطة للعريس الجديد».
وقال عاشور: «لم تقف جريمتهم عند هذا الحد، لكنهم لوثوا مسيرتنا الخارجية، وقدموا تنازلات على حساب الكرامة الوطنية، من أجل قبول الدول الخارجية جمال مبارك، سكتوا على ما حدث للقدس وتهويدها واتفاقية الكويز، وصدروا الغاز لإسرائيل من أجل إسرائيل وأمريكا، وهذا كله كان مجرد عربون الصمت من أجل جمال، وتحولت الشرطة من هيئة مدنية تحمى الشعب إلى ترسانة تم تزويدها بميزانيات ضخمة وأسلحة فتاكة،
لأن المطلوب أن تستعد الشرطة للدفاع عن قضية التوريث، تعلمون أن المؤسسة العسكرية رفضت فكرة التوريث، وكان البديل أمام مبارك أن تؤدى الشرطة دورها فى تمرير التوريث، وهذا المشروع غير ثقافة الشرطة، وهو ما طالبهم به الجنزورى أمس الأول.
وأكمل «عاشور» مركزاً حديثه على قيد ووصف التهمة: «إن مسرح الجريمة كان فى كل شبر على أرض مصر، ويكفى شهيد واحد، ومتر واحد لارتكاب الجريمة، والنيابة العامة بذلت جهدا كبيرا، لكن كان يتعين عليها اتهام مبارك وباقى المتهمين بالتحريض والاتفاق والمساعدة على قتل المتظاهرين».
وشرح أدلة الاتفاق والتحريض، مؤكدا أن الخطاب الأول لمبارك الذى قاله فى ٢٨ يناير الماضى أثبت التهمة فى حقه، حيث كان الرئيس السابق قد قال «لقد التزمت الحكومة بالتعليمات، وكان هذا واضحاً من تعامل الشرطة مع شبابنا، وبادرت بحمايتهم فى بدايتها احتراما لحقهم فى التظاهر، وقبل أن تتحول إلى أعمال عنف».
وأشار «عاشور» إلى أن كلمات مبارك تتضمن اعترافاً منه بأنه كان يوجه تعليماته بكيفية التعامل مع المتظاهرين، أما الخطاب الثانى الذى قاله فى ١ فبراير الماضى، فقال فيه مبارك «أكلف جهاز الشرطة بالقيام بدوره فى خدمة الشعب وحماية المواطنين»، وهذا ما يؤكد، من وجهة نظر عاشور، أن مبارك لم يكن اتخذ قراراً من قبل ١ فبراير الماضى بتكليف الشرطة بحماية المواطنين.
وأضاف عاشور: «كما أن إخفاء سيارات الشرطة فى تلك الاكاديمية التى تعقد فيها المحاكمة، إضافة إلى إخفاء السلاح فى سيارات الإسعاف، وكذلك مسح القرص المدمج والتسجيلات - كانت سببا واضحا للترتيب للجريمة، وأن كل ذلك لم يكن من قبيل الصدفة، ولابد من محاكمة كل سائق وطبيب إسعاف شاركوا فى ذلك.
وطالب عاشور فى نهاية مرافعته بمحاكمة كل من امتنع بقصد عن تقديم العون للنيابة العامة فى تلك القضية، وناشد النيابة تحريك الدعوى الجنائية ضدهم وناشد المحكمة مطالبة الدولة بإعادة بناء الشرطة وتغيير ثقافتهم والوصول إلى دستور يحمى البلاد، وكذلك مناشدة الدولة رعاية أسر الشهداء والمصابين».
واستكمل أمير سالم مرافعة المدعين بالحق المدنى، وقال أمام المحكمة إنه سيتولى الحديث عن مدى المسؤولية الجنائية والوظيفية لكل متهم فى قضية القتل العمد وإثبات وجود سبق الإصرار والترصد والتحريض، وتضليل العدالة وإخفاء أدلة على النيابة العامة، إلا أنه تحدث لقرابة نصف الساعة فى مرافعة سياسية، وهو ما جعل بعض المحامين من أنصار مبارك يقاطعونه أكثر من مرة، مرددين: «الكلام ده تقوله مع هالة سرحان بالليل»،
وطلب سالم من المحكمة أن تحميه ممن يقاطعونه، إلا أن المحكمة طالبته بالدخول فى الشق الجنائى وخلال مرافعته قال سالم إن كل أجهزة الدولة من وزارات ومحافظات وإعلام وثقافة وقضاء ونيابة كانت لخدمة الرئيس السابق، وهو ما جعل الصحفيين يعترضون على ذلك، ووقفوا بشكل احتجاجى داخل القاعة أثناء المحاكمة، لدقيقة واحدة، اعتراضا على ذلك.
وقال سالم: أن التخطيط للاعتداء على المتظاهرين شارك فيه الرئيس السابق ووزير الداخلية ومجلس الوزراء، وقال: «يمكن كمان المخابرات العامة شاركت معاهم»، وانضم المحامى إلى النيابة العامة فى طلباتها لتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين، وقال إن هناك فيديو لقناصة فوق وزارة الداخلية، وقال إن الحرس الجمهورى أيضا اشترك فى الأحداث، وأنه بصفته فى القضية حصل على تسجيلات من غرفة التحكم فى التليفزيون المصرى، تؤكد أن المتهمين كانوا يراقبون كل شبر فى مصر، وكان بحوزتهم تليفونات حديثة غير موجودة فى أى مكان فى العالم إلا مع المخابرات الأمريكية.
وقال خالد أبو بكر، المحامى المدعى بالحق المدنى، إن القضية تحتوى على تضارب فى أقوال المتهمين فيما بينهم.
لقطات
■ عدد من المحامين أنصار مبارك كانوا يقاطعون المحامين المدعين بالحق المدنى ولم يلتفت القاضى إليهم أكثر من مرة، إلا أنه أوقف الجلسة وقال: «فى بداية المحاكمة قلت إن من يخرج على آداب المحاكمة فمن حق المحكمة أن تحبسه ٢٤ ساعة، وإذا تعاطفت معه فستأمر بإخراجه من القاعة ـ يقصد المحكمة»، وطالب القاضى الجميع بعدم الإخلال بقواعد الجلسة لعدم توقيع العقوبة عليه. ■ سامح عاشور أثناء مرافعته قال إن أحد رؤساء النيابة قام بعمل جيد فى التحقيقات وقال: «طبعاً كل الرؤساء محترمين، وبعدها تراجع بسرعة وقال «أقصد النيابة طبعاً»، ولم يقصد مبارك». ■ جمال مبارك ظل واقفاً طوال الجلسة التى استغرقت أكثر من ٤ ساعات، ولم يجلس مطلقاً داخل قفص الاتهام، كما ظل علاء واقفاً داخل القفص. ■ عندما وجه المحامى المدعى بالحق المدنى كلامه للمتهمين فى القفص، نظر علاء إلى الأرض، فى الوقت الذى ضغط جمال على شفتيه، فيما أشار العادلى بما يعنى رفضه لما قيل إليه ولم ينطقوا بكلمة واحدة. ■ «مبارك» أدار وجهه للمتهمين فى القفص، ولم ينظر لهم إطلاقاً، وعندما توجه إليه عدلى فايد للاطمئنان عليه ظهرت عدم رغبة مبارك فى التحدث معه. ■ غاب المحامون الكويتيون عن جلسة أمس، وقال مصدر أمنى إنهم سافروا وسيعودون الأسبوع المقبل. ■ المحامون المدعون بالحق المدنى وصفوا، خلال مرافعاتهم، «مبارك» بالحاكم المستبد، وجمال بالعريس الجديد، والعادلى ببطل القمع، وباقى المنفذين بالرجالة. ■ عدد من المحامين من أنصار «مبارك» ظلوا يرددون بأصوات خافتة وبعضها وصل إلى سمع المحكمة كلمة «هالة سرحان»، عندما كان المحامى أمير سالم يترافع، فى إشارة منهم إلى أنه اعتاد الظهور فى برنامجها، وأنه اعتقد أنه فى البرنامج، وتحدث بكلام فى المطلق دون الحديث فى الشق الجنائى فى القضية.