الدولة : عدد المشاركات : 73740 نقاط : 111480 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 36 الجنس :
موضوع: أبو ايوب الانصاري .. إيثار وجهاد حتى الثمانين الجمعة مارس 05, 2010 12:50 pm
أبو ايوب الانصاري .. إيثار وجهاد حتى الثمانين
لم يكن حب الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم يماثله أي حب آخر حتى تجاه أقرب الناس إليهم. وقصص إيثار الصحابة للرسول الكريم كثيرة في تاريخ السيرة النبوية، فهذا الصديق أبوبكر خلال الهجرة يمشي مرة على يمين الرسول وأخرى على يساره، وثالثة من خلفه، ورابعة من أمامه، وها هو يدخل الغار قبله صلى الله عليه وسلم ولما سأله الرسول عن ذلك أجاب الصديق أنه يخشى أن يصيب الرسول مكروه، فإن قتل، فهو فرد واحد، أما الرسول فهو الأمة كلها وصدق فيه وغيره من الصحابة قوله تعالى “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”. غير أن قصة إيثار الصحابي الجليل خالد بن زياد بن كليب، الذي كني ب “أبي ايوب الانصاري” للرسول لها جانب آخر. وينتمي هذا الصحابي الى بني النجار، ونسبته الى الانصار، وقد رفع الله ذكر سيرته في الشرق والغرب، وأعلى قدره بنزول الرسول صلى الله عليه وسلم في داره دون بيوت المسلمين جميعاً، حين هاجر إلى المدينة ولنزول النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب قصة جميلة تظهر جانباً مهماً من جوانب الإيثار.
أدب رفيع
حين بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة، لاقاه أهلها بالشوق والتهليل، وقد قضى الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء اربعة أيام، بنى خلالها مسجده وهو أول مسجد أسس على التقوى، وخرج من قباء إلى يثرب فرحب به سادتها، وكان كل منهم يريد أن يحظى بشرف نزول النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندما يعترضون ناقته يبتسم لهم قائلاً: “خلوا سبيلها ودعوها فإنها مأمورة” وظلت الناقة تمضي لغايتها حتى بلغت ساحة خلاء أمام بيت أبي أيوب، وبركت فيها، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينزل عنها، فما لبثت أن وثبت وانطلقت إلى دار بني مالك بن النجار وبركت فيها ثم عادت أدراجها وبركت في مبركها الأول، وعند ذلك غمرت الفرحة أبا أيوب وبادر إلى الرسول يرحب به ومضى به إلى بيته، وكان المنزل يتألف من طبقة فوقها علية، فأخلى أبو ايوب العلية من المتاع وأنزل أهله، ليدخل فيها الرسول .. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أصر على أن ينزل في الطبقة السفلى، وامتثل أبو أيوب لأمره. ولما أقبل الليل أوى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى فراشه، وصعد أبو ايوب وزوجته إلى العلية وما ان اغلقا عليهما الباب حتى قال أبو ايوب لزوجته: “ويحك ما صنعنا..؟ أيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل ونحن فوقه؟! أنمشي فوق رسول الله؟ أنصير حاجزا بين النبي والوحي ..؟!” ولم تسكن انفاسهما إلا حين انجازا إلى جانب العلية والتزماه متباعدين عن الوسط، فلما أصبح ابو أيوب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: “والله ما أغمض لنا جفن في هذه الليلة لا أنا ولا أم أيوب” فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ولمَ ذاك يا أبا أيوب؟!” قال: “تذكرت أني على ظهر بيت أنت تحته وإني إذا تحركت تناثر عليك الغبار فآذاك، واني غدوت بينك وبين الوحي”، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “هون عليك يا أبا ايوب، إنه أرفق بنا ان نكون أسفل، لكثرة الزائرين من الناس”. امتثل أبو أيوب كعهد الصحابة دوما، لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الليلة الثانية كانت لديهما جرة ماء فانكسرت وأريق ماؤها في العلية فقاما ينشفان الماء على عجل بقطيفة كانا يتخذانها غطاء، وأسرعا خوفا من أن يصل الماء للرسول صلى الله عليه وسلم وهو تحت، فلما كان الصباح أتى أبو أيوب الانصاري إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: “بأبي أنت وأمي، إني كرهت أن أكون فوقك” وقص عليه خبر الجرة، فاستجاب له الرسول وصعد إلى العلية ونزل هو وأم ايوب إلى أسفل الدار. أقام الرسول في بيت أبي أيوب ما يقرب سبعة أشهر، حتى تم الانتهاء من بناء مسجده في الأرض الخلاء التي بركت فيها الناقة، وانتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحجرات التي أقيمت حول المسجد له ولأزواجه، وأصبح جارا لأبي أيوب.
هذا هو النعيم
في ذات يوم خرج أبوبكر إلى المسجد في نصف النهار فرآه عمر فقال: “يا أبا بكر ما أخرجك هذه الساعة؟” قال: “ما أخرجني إلا ما أجد من شدة الجوع”، فقال عمر: “وأنا والله ما أخرجني غير ذلك” فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: “ما اخرجكما هذه الساعة؟” قالا: “والله ما أخرجنا إلا ما نجده في بطوننا من شدة الجوع” قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “وأنا والله ما أخرجني غير ذلك، قوما معي، فانطلقوا إلى دار أبي ايوب” وكان أبو ايوب على عادته يوميا يدخر لرسول الله الطعام فإذا تأخر عنه ولم يأت أطعمه لأهله، فلما ذهبوا إلى أبي أيوب خرجت إليهم أم أيوب وقالت: “مرحبا بنبي الله ومن معه” فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أين أبو أيوب؟” فسمع أبو أيوب صوت الرسول فأقبل مسرعا وقال: “مرحبا برسول الله ومن معه” ثم قال: “يا نبي الله ليس هذا بالوقت الذي كنت تجيء فيه” فقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: “صدقت”. وانطلق أبو أيوب إلى نخيله وقطع منه تمراً ورطباً فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما أردت أن تقطع هذا إلا جنيت لنا من ثمره؟” قال: “يا رسول الله أحببت أن تأكل من ثمره ورطبه ولأذبحن لك أيضاً” قال الرسول: “إن ذبحت فلا تذبح ذات لبن” فأخذ أبو ايوب جديا فذبحه ثم قال لامرأته: “اعجني واخبزي لنا”، ثم أخذ نصف الجدي فطبخه، وعمد إلى النصف الثاني فشواه، فلما نضج الطعام وضعه بين يدي النبي صلى عليه وسلم وصاحبيه، ثم أخذ رسول الله قطعة من الجدي ووضعها في قطعة خبز وقال: “يا أبا أيوب بادر بهذه القطعة إلى فاطمة فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام”. فلما أكلوا وشبعوا قال النبي الله صلى الله عليه وسلم: “خبز ولحم وتمر ورطب” ودمعت عيناه. ثم قال: “إن هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة”، ثم التفت إلى أصحابه أبي بكر وعمر وأبي أيوب قائلاً: “فإذا أصبتم مثل هذا فضربتهم بأيديكم فيه فقولوا: بسم الله فإذا شبعتم، فقولوا: الحمد لله الذي أشبعنا وأنعم علينا فأفضل”. ثم نهض الرسول وقال لأبي ايوب: “ائتنا غدا” فقال أبو أيوب: “سمعا وطاعة لرسول الله” فلما ذهب أبو ايوب للنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي أعطاه النبي وليدة كانت تخدمه وقال له النبي “استوص بها خيرا فإنا لم نر فيها إلا خيرا ما دامت عندنا”. عاد أبو ايوب لبيته ومعه الوليدة، فلما رأتها أم أيوب قالت: “لمن هذه يا أبا أيوب؟!” قال: لنا .. منحنا إياها الرسول صلى الله عليه وسلم” فقالت: “أعظم به من مانح وأكرم بها من منحة” وقال: “قد أوصانا بها خيرا” فقالت: “كيف تصنع بها حتى ننفذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم” قال: “والله لا أجد لوصية رسول الله بها خيرا من أن أعتقها”. فقالت: “هديت إلى الصواب، فأنت موفق”، ثم أعتقها. عاش أبو أيوب طول حياته غازيا، لم يتخلف عن غزوة إلى زمن معاوية، وكانت آخر غزواته، غزوة لفتح القسطنطينية كانت بقيادة يزيد بن معاوية، وكان أبو أيوب في ذلك الوقت شيخا طاعنا في السن يقرب الثمانين، لكنه لم يمض قليل على منازلة العدو حتى مرض أبو ايوب مرضا أقعده عن مواصلة القتال فجاء يزيد ليعوده وسأله: “ألك من حاجة يا أبا أيوب؟” فقال له: “أقرئ عني السلام على جنود المسلمين وقل لهم يوصيكم أبو أيوب أن توغلوا في ارض العدو إلى أبعد غاية، وأن تحملوا أبا أيوب معكم، وتدفنوه عند أسوار القسطنطينية” ولفظ أنفاسه الطاهرة، واستجاب الجنود لرغبة صاحب رسول الله وكروا على جند العدو، حتى بلغوا أسوار القسطنطينية وهم يحملون أبا أيوب معهم، وهناك حفروا له قبره وواروه فيه.