وفي لحظة من لحظات الخلو الذهني ، وفي انسجام عاطفي مع النفس ، يمر عليك الشريط الزمني السابق محملاً بكثير من الصور ، التي تستعيد معها فصول الذكرى بجميع تفاصيلها المكان والزمان والشخصيات .. والنتائج والمرابح والخسائر.
إلا أنه وبين طيات هذه الذكريات ، شخصيات ورموز تزفر مع ذكره زفرة ، إما زفرة الشوق والحنين ، أو زفرة الغيض والأنين ...
والسؤال المطروح مع هذه الزفرات : من يستحق الذكرى ؟؟ من يستحق أن تفرد له مساحة من الوقت والتفكير لتضل صورته عالقة كلما مر مثير له !؟، من يستحق أن تعشعش ذكرياته في الذهن وتولد معها الزفرات !؟ . إن هناك من يجبرك ذكره ، وطيب معشره ، وجميل وصفه ، وخفة نفسه ، أن تقوم لذكــره إجلالاً وتقديراً واحتراماً ، سحرك بجميل بيانه ، وسلب قلبك بلطيف كلامه ، واستحواك بين يديه في حنان ، فأشعرك معه بالأمان . وفيّ الطباع لا ينسى معروفاً مهما كان ، ويحسن بسخا فلا يذكره بمتنان . يلقاك بالبشر مسروراً وكأن الدنيا بين يديه ، يُعد لجليسه أحلى متكأ ، ويفرش له أورف فراش ، وفي الوداع عبارات الشعور بالتقصير تجاهك ، وأمنيات اللقاء المرتقب بجاهك . تحلو معه الجلسات فلا يشعرك بتململ ولا تثاقل ، يأنس ويؤنس .
فمثل هذا فلا غرو، أنه يستحق الذكرى بكل معانيها ، قف مع ذكراه ، واستشرف ولا تعجل وإن طال بك المقام .
واللئيم من نسي لمثل هذا فضلاً ، وأنكر له جميلاً ، وأسقط له حقا . مثل هذا عملة نادرة في زمن كثر فيه أهل المصالح والتزلف . لا يسأل رد جميل ، ولا يتزين للتجميل . ألبسه ربه حلة الإخلاص ، فلا مــدح يـزيـده ، ولا ذم يثنيه . مثل هذا كنز لا تفرط فيه . ولا تستبدل وقت الذكرى معه بمن لا يستحق الذكرى بمن غرته نفسه المغرورة ، حمال أوجه على أي شكل يتلون كأنه الحرباء . لا يعرف معروفاً إلا ما أشرب من مصلحته . ناكر الجميل ، لئيم ، دنيء لا يهتم بعيب يطوله ، لأنه مخزن للعيوب . ابتسامته شاحبة لا تذوق معها طعم الحب والصفاء . في عينيه بريق الخبث والمكر . يرميك بسهامه كلما حان له مرمى . منان . هماز . جموع ، منوع . مثل هذا ذكراه تزعج ، وأسمه يعكر صفو المزاج . لن يـبقى له في النفس سوء الندم على ساعات معه قضيت ، وأيام طويت . فلا يستحق أن يبقى لمثل هذا مكان في الذكريات ، أرمه في سلال المهملات ، وكبر عليه بأربع التكبيرات . فلا يؤرقك بقبيح ما صنع فبئس المصطنع . طهر قلبك منه ومن ذكره فلايستحق منك ذلك
ولا تنس .أن .تعفو وتسامح وتصفح وتحسن وتتجاوز فلك العقبى في الأولى والأخرى ..
ذاكرتك غالية ، فلا يسكن فيها إلا من يستحق الذكرى .