مباراة هابيل وقابيل
ما حدث في يوم الاربعاء الحزين بالخرطوم ما هو الا عرض لمرض قد تفشي في جسد الامة . امة قال لها ربها " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" فاعتصمت بالمجنونة المستديرة التي تتداولها الاقدام وتركت حبل الله المتين ، امة قال عنها ربها " كنتم خير امة اخرجت للناس " فصارت العوبة تضحك من جهلها الامم ، امة قال عنها ربها " وكذلك جعلناكم امة وسطا " فغدت نموذجا للافراط وللتفريط ، امة جمعها الله برباط الاخوة ..اخوة العقيدة .. فقال " انما المؤمنون اخوة " فانقسمت الي عرب وعجم , وفراعنة واقزام ..ولا حول ولا قوة الا بالله ! .
ظهرت الاوجاع جلية واضحة في هذا الجسد العليل بعد مباراة هابيل وقابيل – ولا يعنيني من كان يمثل هابيل ومن كان قابيل – ولكن ما يعنيني هو معالجة هذا الكسر وتلك الشروخ وهذه الكدمات في جسد امة اشرف بالانتماء اليها ، امة الاسلام تمرض ولكن لا تموت ، وعندما تمرض فمن لها غير الشباب ، فهيا بنا نضع ايدينا علي بعض مواطن الخلل لعلنا نصل الي دواء ..
1 – علي رأس كل من مصر والجزائر يوجد ديكتاتور وحكومة مستبدة وفساد اداري ومؤسسي لا مثيل له ، هذا الديكتاتور لا يسمح بمظاهرة من العشرات ضد الفساد او ضد التوريث او ضد الاستبداد ، لكنه هو نفسه من سمح للملايين ان يجوبوا شوارع البلاد من اجل مباراة ، هذا الديكتاتور ذكي وقد اكرمه الله بشعب طيب او ربما ساذج فاستغله افضل استغلال ووجهه خير توجيه ، فنسي الشعب الطيب حادث القطار كما نسي العبارة من قبل ، ولم يلاحظ الشعب الطيب زيادة الاسعار 20 % ، اما انفلونزا الخنازير فقد انتهت والحمد لله والتعليم تمام التمام ، بل ازداد حب الشعب الطيب للوريث الذي لم يفارق قوات المنتخب الوطني لحظة .. فيا لقلبه الحنون ! .
2 – اما الاعلام – جنود فرعون – فقد حشدوا الجماهير قبل المباراة وبعد المباراة ايضا من اجل الثأر ومن اجل معركة الكرامة وطالبوا بقطع العلاقات وطرد السفير وسحب السفير و و ، العجيب ان هذا الاعلام هو نفسه الذي لم نسمع لهم صوتا عندما قٌتل الجنود المصريين برصاص الصهاينة علي الحدود ، اين كان هؤلاء الاشاوش عندما تم سحل الصحفيات والتحرش بهن ، اين كان هؤلاء الوطنيون عندما ديست كرامة المصريين في اقسام الشرطة وطوابير العيش ومستشفيات الحكومة البالية ؟! ، للاسف هانت علينا كرامتنا وعزتنا في بلدنا .. فكيف نبحث عنهل في الخارج ؟!
3 – من المثير للضحك ايضا تلك الوسائل التي تم استخدامها للضغط علي الطرف الاخر .. كنت اود ان اسمع ان مصر قررت سحب فريق العلماء المشارك في صناعة مكوك فضائي في الجزائر ، او اننا اوقفنا البحث العلمي المشترك في مجال الطاقة المتجددة ، او ان المناورة العسكرة الكبري التي تتم كل عام قد تم الغاؤها ، لكن شيئا من هذا لم يحدث وانما ما حدث هو وقف الانشطة السينمائية الفنية والكروية .. هذه هي نقاط القوة لدينا ! .
4 – رموز المجتمع هم صفوة هذا المجتمع من العلماء والادباء والمثقفين والساسة الناجحين – هذا هو المفترض - ، اما عندما تنقلب الصورة فيصبح علية القوم من اسافلها من الراقصين والراقصات فاعلم علم اليقين ان هذا المجتمع به خلل قوي ، شاهدنا ذلك بعد المباراة عندما اصبح المطرب ... الصغير – قيمة وقامة – من الرموز ، وذاك المذيع الرياضي السافل- صاحب الشريط المعروف – رمزا وبطلا ، وراقص اخر رفض ان يستلم جائزة فصار بطلا ، هؤلاء وغيرهم من فرافير الحزب الوطني هم واجهة مصر بلد الازهر والحضارة ، ولكن لا تعجب فرب البيت بالدف ضارب ! .
5 – تحدث الكثير عن عمق الانتماء في الشعب المصري ، ولا اعرف ما تعريف الانتماء لدي هؤلاء ؟ ، ما هذا الانتماء الذي يظهر ويخفت سريعا ؟ ، ولماذا يظهر فقط في ملاعب الكرة ولا يظهر في ميادين الاصلاح والتغيير ؟ ، بالتأكيد لان للاصلاح ضريبة لا يقدر علي دفعها الا من شعر بهذا الانتماء ، اما هذه التظاهرات الريلضية فهي نتاج طبيعي لشعب مكبوت من سنين مديدة واينما وجد الفرصة سانحة للخروج من سجنه خرج ..ليس الا ، لقد رأيت بعيني شباب مصري يحرقون العلم المصري بعد المباراة ..هذا انتماء ؟ ، وهؤلاء هم انفسهم من يسبون مصر ليل نهار وقد كثروا في الاونة الاخيرة للاسف..اري ان الانتماء ضعف جدا .
6 – من العيب جدا ان نتحدث كثيرا ونعمل قليلا ، لا احد ينكر دور مصر وعظمة تاريخنا وحضارتنا ، لا احد ينكر هذه القوة البشرية العملاقة وهذه العقول الممتازة ، ولكن من الحكمة ان نترك افعالنا تتحدث ، وليس من الحكمة ابدا ان نتكلم بهذه اللهجة النرجسية التي يصاحبها الكبر والاستعلاء احيانا ، من العيب ان نكرر افضالنا علي غيرنا وان كانت هي في الاصل واجبات ، هذه اللهجة للاسف ولدت شعورا سلبيا عند كثير من الشعوب المجاورة لنا وما كان الفعل الهمجي الاخير عنا ببعيد .
6 – شعرت بالعار عندما سمعت عن صحيفة اسرائيلية تطالب مصر والجزائر بضبط النفس والهدوء ، وشعرت بالخزي عنما قرأت انه في نفس يوم المباراة الاولي قد تم اجلاء 45 اسرة مقدسية من بيوتهم ، 45 غصن من اغصان الزيتون تم اقتلاعهم من ارضهم ونحن نائمون عابثون ، ويا لشماته بني صهيون .. ويا لفرحة النتن ياهو .
يا شباب : ان اخوة الدين لا يحدها حدود ولا جغرافيا ولا عصبية نتنة ولا قوميات زائفة ، انما يجمعنا رباط العقيدة ودماء الشهداء وقال جويدة مؤخرا :
شهيد علي صدر سيناء يبكي ......... وفوق الجزائر يسري الغضب
لقد جمعتنا دماء القلوب ........... فكيف افترقنا بهزل القدم ؟ !
يا اخوة : تمر امتنا باسوأ مرحلة في تاريخها وليس لها غيرنا .. وستنهض بسواعدنا لا بسواعد غيرنا فلتعلوا همتنا ولنشغل انفسنا بنهضة امتنا ، ولنعلم ان الله يحب معالي الامور ويكره سفاسفها ، ولنحقق قول الله فينا " انهم فتية امنوا بربهم فزدناهم هدي "
فمن للامة الغرقي اذا كنا الغريقينا .......... ومن للغاية الكبري اذا صغرت امانينا
وكلما اشتدت ظلمة الليل اقترب الفجر و " ان ينصركم الله فلا غالب لكم " .