الدولة : عدد المشاركات : 73740 نقاط : 111480 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 36 الجنس :
موضوع: عصر أبي الطيب الأربعاء فبراير 03, 2010 8:13 am
عصر أبي الطيب
شهدت الفترة التي نشأ فيها أبو الطيب تفكك الدولة العباسية وتناثر الدويلات الإسلامية التي قامت على أنقاضها. فقد كانت فترة نضج حضاري وتصدع سياسي وتوتر وصراع عاشها العرب والمسلمون. فالخلافة في بغداد انحسرت هيبتها والسلطان الفعلي في أيدي الوزراء وقادة الجيش ومعظمهم من غير العرب. ثم ظهرت الدويلات والإمارات المتصارعة في بلاد الشام، وتعرضت الحدود لغزوات الروم والصراع المستمر على الثغور الإسلامية، ثم ظهرت الحركات الدموية في العراق كحركة القرامطة وهجماتهم على الكوفة. لقد كان لكل وزير ولكل أمير في الكيانات السياسية المتنافسة مجلس يجمع فيه الشعراء والعلماء يتخذ منهم وسيلة دعاية وتفاخر ووسيلة صلة بينه وبين الحكام والمجتمع، فمن انتظم في هذا المجلس أو ذاك من الشعراء أو العلماء يعني اتفق وإياهم على إكبار هذا الأمير الذي يدير هذا المجلس وذاك الوزير الذي يشرف على ذاك. والشاعر الذي يختلف مع الوزير في بغداد مثلاً يرتحل إلى غيره فإذا كان شاعراً معروفاً استقبله المقصود الجديد، وأكبره لينافس به خصمه أو ليفخر بصوته. في هذا العالم المضطرب كانت نشأة أبي الطيب، وعى بذكائه الفطري وطاقته المتفتحة حقيقة ما يجري حوله، فأخذ بأسباب الثقافة مستغلاً شغفه في القراءة والحفظ، فكان له شأن في مستقبل الأيام أثمر عن عبقرية في الشعر العربي. كان في هذه الفترة يبحث عن شيء يلح عليه في ذهنه، أعلن عنه في شعره تلميحاً وتصريحاً حتى أشفق عليه بعض اصدقائه وحذره من مغبة أمره، حذره أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل في اللاذقية، فلم يستمع له وإنما أجابه مصرا ً: أبا عبد الإله معاذ أني. إلى أن انتهى به الأمر إلى السجن... [عدل] المتنبي وسيف الدولة الحمداني
ظل باحثاً عن أرضه وفارسه غير مستقر عند أمير ولا في مدينة حتى حط رحاله في إنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة سنة 336 هـ، واتصل بسيف الدولة بن حمدان، أمير وصاحب حلب، سنة 337 هـ وكانا في سن متقاربه، فوفد عليه المتنبي وعرض عليه أن يمدحه بشعره على ألا يقف بين يديه لينشد قصيدته كما كان يفعل الشعراء فأجاز له سيف الدولة أن يفعل هذا وأصبح المتنبي من شعراء بلاط سيف الدولة في حلب، وأجازه سيف الدولة على قصائده بالجوائز الكثيرة وقربه إليه فكان من أخلص خلصائه وكان بينهما مودة واحترام، وخاض معه المعارك ضد الروم، وتعد سيفياته أصفى شعره. غير أن المتنبي حافظ على عادته في أفراد الجزء الأكبر من قصيدته لنفسه وتقديمه إياها على ممدوحة، فكان أن حدثت بينه وبين سيف الدولة جفوة وسعها كارهوه وكانوا كثراً في بلاط سيف الدولة. ازداد أبو الطيب اندفاعاً وكبرياء واستطاع في حضرة سيف الدولة أن يلتقط أنفاسه، وظن أنه وصل إلى شاطئه الأخضر، وعاش مكرماً مميزاً عن غيره من الشعراء في حلب. وهو لا يرى إلا أنه نال بعض حقه، ومن حوله يظن أنه حصل على أكثر من حقه. وظل يحس بالظمأ إلى الحياة، إلى المجد الذي لا يستطيع هو نفسه أن يتصور حدوده، إلى أنه مطمئن إلى إمارة حلب العربية الذي يعيش في ظلها وإلى أمير عربي يشاركه طموحه وإحساسه. وسيف الدولة يحس بطموحه العظيم، وقد ألف هذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلب منه أن يلقي شعره قاعداً وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفين بين يدي الأمير، واحتمل أيضاً هذا التمجيد لنفسه ووضعها أحياناً بصف الممدوح إن لم يرفعها عليه. ولربما احتمل على مضض تصرفاته العفوية، إذ لم يكن يحس مداراة مجالس الملوك والأمراء، فكانت طبيعته على سجيتها في كثير من الأحيان. وفي المواقف القليلة التي كان المتنبي مضطرا لمراعاة الجو المحيط به، فقد كان يتطرق إلى مدح آباء سيف الدولة في عدد من القصائد، ومنها السالفة الذكر، لكن ذلك لم يكن إعجابا بالأيام الخوالي وإنما وسيلة للوصول إلى ممدوحه، إذ لا يمكن فصل الفروع عن جذع الشجرة وأصولها، كقوله:
من تغلب الغالبين الناس منصبه
ومن عدّي أعادي الجبن والبخل
[عدل] خيبة الأمل وجرح الكبرياء
أحس الشاعر بأن صديقه بدأ يتغير عليه، وكانت الهمسات تنقل إليه عن سيف الدولة بأنه غير راض، وعنه إلى سيف الدولة بأشياء لا ترضي الأمير. وبدأت المسافة تتسع بين الشاعر والأمير، ولربما كان هذا الاتساع مصطنعاً إلا أنه اتخذ صورة في ذهن كل منهما. وظهرت منه مواقف حادة مع حاشية الأمير، وأخذت الشكوى تصل إلى سيف الدولة منه حتى بدأ يشعر بأن فردوسه الذي لاح له بريقه عند سيف الدولة لم يحقق السعادة التي نشدها. وأصابته خيبة الأمل لاعتداء ابن خالويه عليه بحضور سيف الدولة حيث رمى دواة الحبر على المتنبي في بلاط سيف الدولة، فلم ينتصف له سيف الدولة، ولم يثأر له الأمير، وأحس بجرح لكرامته، لم يستطع أن يحتمل، فعزم على مغادرته، ولم يستطع أن يجرح كبرياءه بتراجعه، وإنما أراد أن يمضي بعزمه. فكانت مواقف العتاب الصريح والفراق، وكان آخر ما أنشده إياه ميميته في سنة 345 هـ ومنها: (لا تطلبن كريماً بعد رؤيته). بعد تسع سنوات ونيف في بلاط سيف الدولة جفاه الأمير وزادت جفوته له بفضل كارهي المتنبي ولأسباب غير معروفة قال البعض أنها تتعلق بحب المتنبي المزعوم لخولة شقيقة سيف الدولة التي رثاها المتنبي في قصيدة ذكر فيها حسن مبسمها، وكان هذا مما لا يليق عند رثاء بنات الملوك. إنكسرت العلاقة الوثيقة التي كانت تربط سيف الدولة بالمتنبي. فارق أبو الطيب سيف الدولة وهو غير كاره له، وإنما كره الجو الذي ملأه حساده ومنافسوه من حاشية الأمير. فأوغروا قلب الأمير، فجعل الشاعر يحس بأن هوة بينه وبين صديقة يملؤها الحسد والكيد، وجعله يشعر بأنه لو أقام هنا فلربما تعرض للموت أو تعرضت كبرياؤه للضيم. فغادر حلب، وهو يكن لأميرها الحب، لذا كان قد عاتبه وبقي يذكره بالعتاب، ولم يقف منه موقف الساخط المعادي، وبقيت الصلة بينهما بالرسائل التي تبادلاها حين عاد أبو الطيب إلى الكوفة وبعد ترحاله في بلاد عديده بقي سيف الدولة في خاطر ووجدان المتنبي. [عدل] المتنبي وكافور الإخشيدي
الشخص الذي تلا سيف الدولة الحمداني أهمية في سيرة المتنبي هو كافور الإخشيدي. فقد فارق أبو الطيب حلباً إلى مدن الشام ومصر وكأنه يضع خطة لفراقها ويعقد مجلساً يقابل سيف الدولة. من هنا كانت فكرة الولاية أملا في رأسه ظل يقوي. دفع به للتوجه إلى مصر حيث (كافور الإخشيدي) . وكان مبعث ذهاب المتنبي إليه على كرهه له لأنه طمع في ولاية يوليها إياه. ولم يكن مديح المتنبي لكافور صافياً، بل بطنه بالهجاء والحنين إلى سيف الدولة الحمداني في حلب، فكان مطلع أول قصيدته مدح بها كافور:
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً
وحسب المنايا أن يكن أمانيا
فكأنه جعل كافورا الموت الشافي والمنايا التي تتمنى ومع هذا فقد كان كافور حذراً، فلم ينل المتنبي منه مطلبه، بل إن وشاة المتنبي كثروا عنده، فهجاهم المتنبي، وهجا كافور ومصر هجاء مرا ومما نسب إلى المتنبي في هجاء كافور:
لا تشتري العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجــاس مناكــيد
نامت نواطير مصر عن ثعالبها
وقد بشمن وما تفنى العناقيد
لا يقبض الموت نفسا من نفوسهم
إلا وفي يده من نتنها عود
من علم الأسود المخصي مكرمة
أقومه البيض أم آباؤه السود
أم أذنه في يد النخاس دامية
أم قدره وهو بالفلسين مردود
و استقر في عزم أن يغادر مصر بعد أن لم ينل مطلبه، فغادرها في يوم عيد، وقال يومها قصيدته الشهيرة التي ضمنها ما بنفسه من مرارة على كافور وحاشيته، والتي كان مطلعها:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد
ويقول فيها أيضا:
إذا أردت كميت اللون صافية
وجدتها وحبيب النفس مفقود
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه
أني لما أنا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ
وفي القصيدة هجوم شرس على كافور وأهل مصر بما وجد منهم من إهانة له وحط منزلته وطعنا في شخصيته ثم إنه بعد مغادرته لمصر قال قصيدةً يصف بها منازل طريقه وكيف أنه قام بقطع القفار والأودية المهجورة التي لم يسلكها أحد قال في مطلعها:
ألا كل ماشية الخيزلى
فدى كل ماشية الهيدبى
وكل ناجة بجاوية
خنوف وما بي حسن المشى
وقال يصف ناقته:
ضربت بها التيه ضرب القمار
إما لهذا وإما لنا
لإذا فزعت قدمتها الجياد
وبيض السيوف وسمر القنا
وهي قصيدة يميل فيها المتنبي إلى حد ما إلى الغرابة في الألفاظ ولعله يرمي بها إلى مساواتها بطريقه. لم يكن سيف الدولة وكافور هما من اللذان مدحهما المتنبي فقط، فقد قصد امراء الشام والعراق وفارس. وبعد عودته إلى الكوفة، زار بلاد فارس، فمر بأرجان، ومدح فيها ابن العميد، وكانت له معه مساجلات. ومدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي في شيراز وذالك بعد فراره من مصر إلى الكوفة ليلة عيد النحر سنة 370 هـ. [عدل] شعره وخصائصه الفنية
شعر المتنبي كان صورة صادقة لعصره، وحياته، فهو يحدثك عما كان في عصره من ثورات، واضطرابات، ويدلك على ما كان به من مذاهب، وآراء، ونضج العلم والفلسفة. كما يمثل شعره حياته المضطربة: فذكر فيه طموحه وعلمه، وعقله وشجاعته، وسخطه ورضاه، وحرصه على المال، كما تجلت القوة في معانيه، وأخيلته، وألفاظه، وعباراته.وقد تميز خياله بالقوة والخصابة فكانت ألفاظه جزلة، وعباراته رصينة، تلائم قوة روحه، وقوة معانيه، وخصب أخيلته، وهو ينطلق في عباراته انطلاقاً ولا يعنى فيها كثيراً بالمحسنات والصناعة.ويقول الشاعر العراقي فالح الحجية في كتابه في الادب والفن ان المتنبي يعتبر وبحق شاعر العرب الأكبر عبر العصور وكل من جاء بعده عيال عليه [عدل] أغراضه الشعرية
[عدل] المدح
الإخشيدي، ومدائحه في سيف الدولة وفي حلب تبلغ ثلث شعره أو أكثر، وقد استكبر عن مدح كثير من الولاة والقواد حتى في حداثته. ومن قصائده في مدح سيف الدولة:
وقفت وما في الموت شكٌّ لواقف *** كأنك في جفن الرَّدى وهو نائمتمـر بك الأبطال كَلْمَى هزيمـةً *** ووجهك وضاحٌ، وثغرُكَ باسمتجاوزت مقدار الشجاعة والنهى *** إلى قول قومٍ أنت بالغيب عالم
أجاد المتنبي وصف المعارك والحروب البارزة التي دارت في عصره وخاصة في حضرة وبلاط سيف الدولة، فكان شعره يعتبر سجلاً تاريخياً. كما أنه وصف الطبيعة، وأخلاق الناس، ونوازعهم النفسية، كما صور نفسه وطموحه. وقد قال يصف شِعب بوَّان، وهو منتزه بالقرب من شيراز :
لها ثمر تشـير إليك منـه *** بأَشربـةٍ وقفن بـلا أوانوأمواهٌ يصِلُّ بها حصاهـا *** صليل الحَلى في أيدي الغوانيإذا غنى الحمام الوُرْقُ فيها *** أجابتـه أغـانيُّ القيـان
[عدل] الفخر
اذا اتتك مذمتى من ناقص * * فهي الشهادة لى بانى كامل [عدل] الهجاء
لم يكثر الشاعر من الهجاء. وكان في هجائه يأتي بحكم يجعلها قواعد عامة، تخضع لمبدأ أو خلق، وكثيراً ما يلجأ إلى التهكم، أو استعمال ألقاب تحمل في موسيقاها معناها، وتشيع حولها جو السخرية بمجرد الفظ بها، كما أن السخط يدفعه إلى الهجاء اللاذع في بعض الأحيان. وقال يهجو طائفة من الشعراء الذين كانوا ينفسون عليه مكانته:
أفي كل يوم تحت ضِبني شُوَيْعرٌ *** ضعيف يقاويني، قصير يطاوللساني بنطقي صامت عنه عادل *** وقلبي بصمتي ضاحكُ منه هازلوأَتْعَبُ مَن ناداك من لا تُجيبه *** وأَغيظُ مَن عاداك مَن لا تُشاكلوما التِّيهُ طِبِّى فيهم، غير أنني *** بغيـضٌ إِلىَّ الجاهـل المتعاقِـل
من أية الطرق يأتي نحوك الكرم *** أين المحاجم ياكافور والجلمجازا الأولى ملكت كفاك قدرهم *** فعرفوا بك أن الكلب فوقهملا شيء أقبح من فحل له ذكر *** تقوده أمة ليست لها رحمسادات كل أناس من نفوسهم *** وسادة المسلمين الأعبد القزمأغاية الدين أن تحفوا شواربكم *** يا أمة ضحكت من جهلها الأممألا فتى يورد الهندي هامته *** كما تزول شكوك الناس والتهمفإنه حجة يؤذي القلوب بها *** من دينه الدهر والتعطيل والقدمما أقدر الله أن يخزي خليقته *** ولا يصدق قوما في الذي زعموا
[ الحكمة
اشتهر المتنبي بالحكمة وذهب كثير من أقواله مجرى الأمثال لأنه يتصل بالنفس الإنسانية، ويردد نوازعها وآلامها. ومن حكمه ونظراته في الحياة:
ومراد النفوس أصغر من أن *** نتعادى فيـه وأن نتـفانىغير أن الفتى يُلاقي المنايـا *** كالحات، ولا يلاقي الهـواناولـو أن الحياة تبقـى لحيٍّ *** لعددنا أضلـنا الشجـعانا'وإذا لم يكن من الموت بُـدٌّ *** فمن العجز ان تكون جبانا
ويقول السيد أحمد محمد نوري خليفة استاذ العربية في العراق بان المتنبي من أفضل الشعراء ضربا في الحكمة حيث ان اشعاره في الحكمة تنطبق على الواقع العراقي الحالي بدقة[] مقتله
كان المتنبي قد هجا ضبة بن يزيد الأسدي العيني بقصيدة شديدة مطلعها:
مَا أنْصَفَ القَوْمُ ضبّهْ
وَأُمَّهُ الطُّرْطُبّهْ
وَإنّمَا قُلْتُ ما قُلْـ
ـتُ رَحْمَةً لا مَحَبّهْ
فلما كان المتنبي عائدًا يريد الكوفة، وكان في جماعة منهم ابنه محسّد وغلامه مفلح، لقيه فاتك بن أبي جهل الأسدي، وهو خال ضبّة، وكان في جماعة أيضًا. فاقتتل الفريقان وقُتل المتنبي وابنه محشد وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول غربيّ بغداد. قصة قتله أنه لما ظفر به فاتك... أراد الهرب فقال له ابنه... اتهرب وأنت القائل
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فقال المتنبي: قتلتني ياهذا, فرجع فقاتل حتى قتل. ولهذا اشتهر بأن هذا البيت هو الذي قتله. بينما الأصح أن الذي قتله هو تلك القصيدة.