الدولة : عدد المشاركات : 5338 نقاط : 6038 تاريخ التسجيل : 01/06/2010 العمر : 32 الجنس :
موضوع: قصة سَلْمَاْنُ الفَارِسِيُّ الأربعاء يونيو 23, 2010 8:07 am
سَلْمَاْنُ الفَارِسِيُّ
(( لو كان الإيمان بالثُّريَّا لتناوله رجال من هؤلاء )) ... ( قالها الرسول صلى الله عليه وسلم وكان واضعا يده على سلمان ) ......................
قصتنا هذه هي قصة السّاعي وراء الحقيقة ، الباحث عن الله عزّ وجلّ ... قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه . فلنترك لسلمان نفسه المجال ليروي لنا أحداث قصته ... فشعوره بها أعمق ، وروايته لها أدقّ وأصدق ... قال سلمان : كنت فتىَ َ فارسيا من أهل أصبهان (أصبهان أو أصفهان : مدينة بوسط إيران ؛ بين طهران وشيراز ) ، من قرية يقال لها ( جَيَّان) وكان أبي دُهقان القرية ( أي: رئيسها) وأغنى أهلها غنى ، وأعلاهم منزلة . وكنت أحبَّ خلق الله إليه منذ ولدت ، ثم ما زال حبّه لي يشتدّ ويزداد على الأيام حتى حبسني في البيت خشية عليَّ ، كما تحبس الفتيات . وقد اجتهدت في المجوسيَّة(دين يعبد أصحابه النار أو الشمس) ، حتى غدوت قيّم النار التي كنّا نعبدها ، وأنيط بي ( أُوكل إلي) إضرامها حتى لا تخبو ساعة في ليل أو نهار ... وكان لأبي ضيعة عظيمة تدر علينا غلّة كبيرة ، وكان أبي يقوم عليها ويجني غلّتها . وفي مرة شغله عن الذهاب إلى القرية شاغل ، فقال : يا بني إني قد شغلت عن الضيعة بما ترى ، فاذهب إليها وتولّى اليوم عنّي شأنها ، فخرجت أقصد ضيعتنا ، وفيما أنا في بعض الطريق مررت بكنيسة من كنائس النصارى ؛ فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلّون فلفت ذلك انتباهي . لم أكن أعرف شيئا من أمر النصارى أو أمر غيرهم من الأديان لطول ما حجبني أبي عن الناس في بيتنا ، فلمّا سمعت أصواتهم دخلت عليهم لأنظر ما يصنعون . فلمّا تأمّلتهم أعجبتني صلاتهم ، ورغبت في دينهم وقلت : والله هذا خير من الذي نحن عليه ، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس ، ولم أذهب إلى ضيعة أبي ، ثم إنّي سألتهم : أين أصلُ هذا الدين ؟ ... قالوا : في بلاد الشام . ولمّا أقبل الليل عدت إلى بيتنا فتلقّاني أبي يسألني عمّا صنعت ، فقلت : يا أبت إني مررت بأناس يصلّون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم ، وما زلت عندهم حتى غربت الشمس ... فذُعر أبي ممّا صنعت وقال : أيْ بني ليس في ذلك الدين خير ... دينك ودين آبائك خير منه . قلت : كلا – والله- إنّ دينهم خير من ديننا ، فخاف أبي ممّا أقول ، وخشي أن أرتدّ عن ديني ، وحبسني بالبيت ؛ ووضع قيدا في رجلي . ولمّا أُتيحت لي الفرصة بعثت إلى النصارى أقول لهم : إذا قدم عليكم ركب يريد الذهاب إلى بلاد الشام فأعلموني . فما هو إلا قليل حتى قدم عليهم ركب مُتّجه الى بلاد الشام ، فأخبروني به ؛ فاحتلت على قيدي حتى حللته ، وخرجت معهم متخفّيا حتى بلغنا بلاد الشام ... فلما نزلنا فيها ، قلت : من أفضل رجل من أهل هذا الدين ؟ قالوا : الأُسقُفُ راعي الكنيسة (الأسقف: مرتبة من مراتب رجال الدين عند النصارى فوق القسّيس ودون المطران )، فجئته فقلت : إنّي قد رغبت في النصرانيَّة ، وأحببت أن ألزمك وأخدمك وأتعلّم منك وأصلّي معك . فقال : ادخل ، فدخلت عنده وجعلت أخدمه .... ثم ما لبثت أن عرفت أنّ الرجل رجل سُوء ، فقد كان يأمر أتباعه بالصدقة ويرغِّبهم بثوابها ، فإذا أعطوه منها شيئا لينفقه في سبيل الله ؛ اكتنزه لنفسه ولم يعط الفقراء والمساكين منه شيئا ، حتى جمع سبع قلال من الذهب ( القلال : جمع قلة وهي الجرة العظيمة ) . فأبغضته بُغضا شديدا لِمَا رأيته منه ، ثم ما لبث أن مات فاجتمعت النصارى لدفنه ، فقلت لهم : إن صاحبكم كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغّبكم فيها ، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا . قالوا : من أين عرفت ذلك ؟! .... فقلت : أنا أدلّكم على كنزه . قالوا : نعم دلّنا عليه ، فأريتهم موضعه فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وفضّة ، فلّما رأوها قالوا : والله لا ندفنه ، ثم صلبوه ورجموه بالحجارة . ثم إنه لم يمض غير قليل حتى نصّبوا رجلا آخر مكانه ، فلزمته ، فما رأيت رجلا أزهد منه في الدنيا ، ولا أرغب منه في الآخرة ، ولا أدأب منه على العبادة ليلا ونهارا ، فأحببته حبّا جمّا (كثيرا) ، وأقمت معه زمانا ، فلمّا حضرته الوفاة قلت له : يا فلان إلى من تُوصي بي ، ومع من تنصحني أن أكون من بعدك ؟ . فقال : أي بنيَّ ، لا أعلم أحدا على ما كنت عليه إلا رجلا بالموصل هو فلان لم يحرّف ولم يبدّل فَالْحق به . فلما مات صاحبي لحقت بالرجل في الموصل ، فلمّا قدمت عليه قصصت عليه خبري وقلت له : إنّ فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك ، وأخبرني أنّك مُستَمسِك بما كان عليه من الحق ، فقال : أقِم عندي ... فأقمت عنده فوجدته على خير حال . ثم إنه لم يلبث أن مات ، فلمّا حضرته الوفاة قلت له : يا فلان لقد جاءك من أمرِ الله ما ترى وأنت تعلم من أمري ما تعلم ، فإلى من تُوصي بي ؟ .... ومن تأمرني باللَّحاق به ؟ . فقال : أي بني ، والله ما أعلم أن رجلا على مثل ما كنّا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به (نصيبين: مدينة على طريق القوافل من الموصل إلى الشام ، وتبعد عن الموصل ستة أيام ) . فلمّا غُيِّب الرجل في لحده لحقت بصاحب نصيبين وأخبرته خبري وما أمرني به صاحبي ، فقال لي : أقم عندنا ..... فأقمت عنده فوجدته على ما كان عليه صاحباه من الخير ، فوالله ما لبث أن نزل به الموت ، فلمّا حضرته الوفاة قلت له : لقد عرفت من أمري ما عرفت ، فإلى من توصي بي ؟ . فقال : أي بني ، والله إني ما أعلم أحدا بقي على أمرنا إلا رجلا بعمّوريّة هو فلان ، فالحق به ..... فلحقت به وأخبرته خبري ، فقال : أقم عندي ... فأقمت عند رجل كان - والله- على هدي أصحابه ، وقد اكتسبت وأنا عنده بَقَرَاتِ ِ وغُنَيْمَةَ َ. ثم ما لبث أن نزل به ما نزل بأصحابه من أمر الله ، فلما حضرته الوفاة قلت له : إنك تعلم من أمري ما تعلم ، فإلى من توصي بي ؟ ..... وما تأمرني أن أفعل ؟ . فقال : يا بني - والله- ما أعلم أن هناك أحدا من الناس بقي على ظهر الأرض مستمسكا بما كنّا عليه ..... ولكنّه قد أظلّ زمان (دنا وقرب) يخرج فيه بأرض العرب نبيّ يُبعث بدين إبراهيم ، ثمّ يهاجر من أرضه إلى أرض ذات نخل بين حرّتين ( الحرّة: أرض ذات حجارة سود نخرة ) ، وله علامات لا تخفى ... فهو يأكل الهديّة ، ولا يأكل الصدقة ... وبين كتفيه خاتم النبوّة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل . ثم وافاه الأجل ، فمكثت بعده بعمّوريّة زمنا إلى أن مرّ بها نفر من تجّار العرب من قبيلة (( كَلْبِ ِ ))... فقلت لهم: إن حملتموني معكم إلى أرض العرب أعطيتكم بقراتي هذه وغُنيمتي ، فقالوا : نعم نحملك ، فأعطيتهم إياها وحملوني معهم حتى إذا بلغنا (( وادي القرى)) غدروا بي وباعوني لرجل من اليهود ، فالتحقت بخدمته ... ثم ما لبث أن زاره ابن عمّ له من بني قريظة فاشتراني منه ، ونقلني معه إلى يثرب فرأيت النخل الذي ذكره لي صاحبي بعمورية ، وعرفت المدينة بالوصف الذي نعتها به ، فأقمت بها معه . وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ يدعو قومه إلى مكّة ، لكني لم أسمع له بذكر لانشغالي بما يوجبه عليَّ الرقُّ . ثمّ ما لبث أن هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب ، فوالله إني لفي رأس نخلة لسيدي أعمل فيها بعض العمل ، وسيدي جالس تحتها إذ أقبل عليه ابن عمّ له وقال : قاتلَ الله بني قَيْلَةَ (الأوس والخزرج) ، والله إنهم لمجتمعون بقُباء(اسم بئر قرب المدينة) ، على رجل قدِم عليهم اليوم من مكّة يزعم أنّه نبيُّ . فما إن سمعت مقالته حتى مسّني ما يشبه الحمّى ، واضطربت اضطرابا شديدا حتى خشيت أن أسقط على سيّدي ، وبادرت إلى النزول عن النخلة ، وجعلت أقول للرجل : ماذا تقول ؟! أعد عليَّ الخبر ..... فغضب سيّدي ولكمني لكمة شديدة ، وقال لي : ما لك ولهذا ؟! ... عُد إلى ما كنت فيه من عملك . ولمّا كان المساء أخذت شيئا من تمر كنت جمعته ، وتوجَّهت به إلى حيث ينزل الرسول صلى الله عليه وسلم ، فدخلت عليه ، وقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح ، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، وهذا شيء عندي للصدقة فرأيتكم أحقّ به من غيركم ، ثم قرّبته إليه ، فقال لأصحابه : كُلوا ... وأمسك يده فلم يأكل ... فقلت في نفسي: هذه واحدة . ثم انصرفت وأخذت أجمع بعض التمر ، فلمّا تحوّل الرسول صلى الله عليه وسلم من قباء إلى المدينة جئته فقلت له : إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها ..... فأكل منها وأمر أصحابه فأكلوا معه .... فقلت في نفسي : هذه الثانية . ثم جئت رسول الله لى الله عليه وسلم وهو ((ببقيع الغرقد)) (مكان في المدينة المنورة ؛جُعل مدفنا) ، حيث كان يواري أحد أصحابه ، فرأيته جالسا وعليه شملتان (الشملة :الكساء الغليظ) ، فسلّمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره لعلّي أرى الخاتم الذي وصفه لي صاحبي ... فلمّا رآني النبي صلى الله عليه وسلم أنظر إلى ظهره عرف غرضي ، فألقى رِداءه عن ظهره ؛ فنظرت فرأيت الخاتم ، فعرفته ... فانكببت عليه أُقبّلُه وأبكي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما خبرك ؟! . فقصصت عليه قصّتي ، فأُعجب بها ، وسرَّه أن يسمعها أصحابه منّي ، فأسمعتهم إياها ، فعجبوا منها أشدّ العجب ، وسرّوا بها أعظم السّرور .
فسلام على سلمان الفارسيِّ يوم قام يبحث عن الحق في كلِّ مكان . وسلام على سلمان الفارسيِّ يوم عرف الحقَّ فآمن به أوثق الإيمان . وسلام عليه يوم مات ، ويومَ يُبعثُ حيَّا