كتبت
سلوى إسماعيل -أستاذة السياسة بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة
لندن- في مقالها بصحيفة غارديان أن هناك الكثير وراء مقاومة حسني مبارك
الشرسة للمعارضة وإطلاقه بلطجيته على المتظاهرين المسالمين في ميدان
التحرير بالقاهرة، ألا وهو المال أيضا. فمبارك والزمرة المحيطة به طالما
عاملوا مصر كعزبة لهم ومواردها كغنائم تُقسم فيما بينهم.
وفي ظل سياسات الخصخصة الواسعة استولوا
على مؤسسات عامة مربحة ومناطق شاسعة من أراضي الدولة. واستولت شرذمة قليلة
من رجال الأعمال على الأصول العامة واكتسبت مواقف احتكارية في أسواق السلع
الإستراتيجية مثل الحديد والأسمنت والخشب.
وبينما ازدهرت رأسمالية المحسوبية، أخذت
الصناعات المحلية -التي كانت ذات يوم عصب الاقتصاد- في التدهور. وفي نفس
الوقت توسعت صناعات القطاع الخاص التي تصنع منتجات خطرة بيئيا مثل
السيراميك والرخام والأسمدة بدون تنظيم فعال على حساب صحة الشعب.
لقد كدست نخبة اقتصادية ضئيلة، متحكمة في
الإنتاج المستهلك وفي الاستيراد، ثروة هائلة. وهذه النخبة تشمل ممثلي شركات
أجنبية لديهم حقوق استيراد حصرية للإلكترونيات والكابلات الكهربائية
والسيارات. وتشمل أيضا مطوري الأراضي العقارية الذين شكلوا طفرة إنشائية من
المجمعات السكنية المغلقة والمنتجعات السياحية لفاحشي الثراء. ومعظم هذه
التنمية كانت على أرض عامة تم الاستيلاء عليها بأبخس الأسعار وبدون مناقصة
أو مزايدة شريفة.
وأشارت الكاتبة إلى وجود نحو ألف عائلة
تسيطر على قطاعات واسعة من الاقتصاد، وهذه الطبقة من رجال الأعمال سعت
لترسيخ نفسها وحماية ثروتها عبر المنصب السياسي. فكان الحزب الحاكم هو
مطيتهم الأولى للقيام بذلك. وأصبح هذا التحالف المالي والسياسي سافرا
السنوات الأخيرة عندما أصبح عدد من رجال الأعمال وزراء بالحكومة بحقائب
تداخلت فيها مصالحهم الشخصية.
" هناك نحو ألف عائلة تسيطر على قطاعات واسعة من الاقتصاد وهذه الطبقة من رجال الأعمال سعت لترسيخ نفسها وحماية ثروتها عبر المنصب السياسي، فكان الحزب الحاكم هو مطيتهم الأولى " |
لقد
ترأس مبارك عملية انتقلت فيها الثروة الوطنية إلى أياد خاصة قليلة بينما
كان أغلب السكان معدمين، حيث يعيش 40% من الشعب تحت خط الفقر بأقل من
دولارين يوميا ومعدلات بطالة في تزايد وفرص عمل أمام الشباب مسدودة. وفي
الأشهر القليلة الأخيرة من 2010 احتج المصريون لزيادة الأجر الشهري الأدني
إلى أقل من 240 دولارا لكن حكومة نظيف المقالة الآن أوصت بأن أقل من مائة
دولار كانت كافية كدخل أساسي.
كما خضعت الخدمات الاجتماعية العامة
لخصخصة مقنعة حيث صارت الصحة والتعليم بعيدة المنال عن شرائح كبيرة من
الشعب وأُجبرت كثرة من الأسر الفقيرة على التخلي عن أمل تعليم أبنائهم،
واضطروا لإرسالهم إلى أعمال مهينة للمشاركة في دخل الأسرة. وكان الاستثمار
العام قليلا في معظم الخدمات والبنية الأساسية مثل الطرق والماء والمجاري.
وأضافت الكاتبة أن المطالب الاجتماعية
والاقتصادية المشروعة للشعب كُبتت ومُنعت عنه، واستخدم النظام الشرطة
للسيطرة على الشعب. وفي ظل قوانين الطوارئ اكتسبت الشرطة سلطات مكثفة،
وانشغلت بمراقبة والتنصت على الشعب، وأصبح التعذيب والإساءة في مراكز
الشرطة أمرا عاديا. وكانت حواجز الشرطة والتفتيشات جزءا من الحياة اليومية
للمصريين. وفي ظل الفساد المتفشي، انشغلت الشرطة بالابتزاز وقدمت خدماتها
للمصالح الخاصة.
وقالت أيضا إن مصر حُكمت كعزبة خاصة،
وأسرة مبارك متورطة في نشاطات رأسمالية محسوبية كشركاء لمعظم رجال الأعمال
الذين استفادوا من فساد النظام. وهؤلاء المستفيدون لا يريدون مغادرة قصورهم
وشواطئهم ومنتجعاتهم السياحية وأعمالهم المربحة وهذا الثراء الفاحش.
فهذه أصول ثابتة لا يمكن تحويلها خارج
البلد، ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن النخبة الحاكمة نقلت جل أموالها إلى
بنوك أجنبية. ورغم ذلك لم يشأ هؤلاء التنازل عن عزبتهم الخاصة (مصر) ولهذا
السبب حشدوا بلطجيتهم في ميدان التحرير لترويع الشعب. وهذا الأسلوب استخدمه
الحزب الحاكم في مناسبات كثيرة سابقة.
وفي الانتخابات المحلية لمجلسي الشعب
والشورى تم استئجار بلطجية لإرهاب الناخبين ودعم تزوير النتائج. وفي كل
الاحتجاجات الشعبية أطلقت الشرطة بلطجيتها لمهاجمة المتظاهرين باستخدام كل
وسائل الترهيب، بما في ذلك التحرش الجنسي بالنساء المشاركات.
لقد أصبح البلطجية ذراعا للشرطة وكانوا
يُستخدمون كمخبرين في الأحياء الشعبية بالمدينة. وكانت مكافأتهم الإنعام
عليهم بتراخيص لفتح أكشاك أو إدارة خدمات الحافلات الصغيرة (ميني باص).
وبطريقة ما كانت هذه البلطجة من أدوات النظام للحفاظ على نفسه وحماية مصالح
النخبة الحاكمة لعقود.
وخوفا من مواجهة احتمال متزايد بفقدان
ثروتهم وسلطتهم، لجأ النظام ومحسوبوه إلى أساليب وممارسات كانوا قد
استخدموها في السابق دون خشية من العقوبة لإسكات كل معارضة ومقاومة. ولكن
ضخامة التعبئة الشعبية والتصميم على القتال من أجل الكرامة والحرية جعلت
أساليب النظام عقيمة.