ثانى ليالى اعتصام السفارة الإسرائيلية بعد إنزال «العلم»: أسر كاملة تنضم للمعتصمين.. وتؤكد: «السحور هنا أحلى»
محمد العمدة ٢٤/ ٨/ ٢٠١١
[ متظاهرون يرفعون علم مصر أمام السفارة الإسرائيلية]
متظاهرون يرفعون علم مصر أمام السفارة الإسرائيلية
«مصرون على طرد سفير إسرائيل وإغلاق سفارتها، وتحويلها إلى مقر لسفارة فلسطين، وإلغاء جميع الاتفاقيات ومنها كامب ديفيد ووقف تصدير الغاز، وعدم قبول اعتذار وزير الدفاع الإسرائيلى، والقصاص من قتلة شهدائنا على الحدود».. بهذه المطالب بدأ المتظاهرون أمام السفارة الإسرائيلية ثانى أيام اعتصامهم بعد اليوم المشهود بنزع العلم الإسرائيلى من على مقر السفارة، وتثبيت العلم المصرى بدلا منه.
كانت الأعداد قليلة عقب الإفطار، ثم بدأت فى الزيادة بعد صلاتى العشاء والتراويح. ارتفعت الهتافات ونظمت المسيرات، بينها مسيرة لمجموعة من السيدات دارت حول تمثال «نهضة مصر»، ثم اتجهت إلى آخر كوبرى الجامعة لتعود إلى أمام السفارة بعدما أحدثت شللا مروريا على الكوبرى، وردد الجميع شعارات «أول مطلب للجماهير.. غلق سفارة وطرد سفير».
منذ الحادية عشرة مساء بدأ المعتصمون بإطلاق الألعاب النارية تجاه مبنى السفارة، وتسليط أجهزة الليزر الخضراء على الطابق الذى تقع به، وأمسك المعتصمون شابا كان يطلق الألعاب النارية تجاه المعتصمين، وضربوه وطردوه. تنافس الشباب فى محاولة وصول الألعاب النارية إلى الطابق الذى يضم السفارة، وكان كل من يطلق صاروخا ويصيب السفارة يحظى بتصفيق باقى المعتصمين.
ذهبت بعض عناصر الجيش إلى المعتصمين لتهدئتهم، لكن البعض هاجمهم قائلين: «هدفكم تهدئتنا حتى لا نطالب بدم الشهداء»، ثم سأل أحدهم: «هو علم مصر الموجود على السفارة هيتبدل ويحطوا علم إسرائيل تانى» فأجاب أحد ضباط الجيش برتبة لواء: «نحن أيضا غير مسموح لنا بالدخول إلى السفارة، ومهمتنا تقتصر على حماية السفارة فقط، وليست عندنا معلومات عن استبدال العلم».
وأشار إلى أهمية موافقة الشعب على القرارات التى سيتخذها المجلس العسكرى لأنه كبيرنا ويجب سماع كلمته، بحسب تعبير اللواء، فرد عليه أحد المعتصمين: «هو الكبير يقوم بالإمساك بشبابنا»، فقال اللواء: «من حقه القبض على البلطجى وده لمصلحتك».. لم يسكت الشاب وسأله: «هل أسماء محفوظ ومايكل نبيل بلطجية»؟!، وهنا قال اللواء: «هذه قضية ثانية، ولا أستطيع الكلام فيها»، وانتهى النقاش عن هذا الحد.
جاء إلى الاعتصام مجدى إسكندر، والد الشهيد مينا، الذى توفى يوم «جمعة الغضب» أمام قسم الشرابية، وقال إنه وهب حياته فى سبيل تطهير مصر من الفاسدين، مشيرا إلى أنه كان باستمرار فى ميدان التحرير يقوم بعمل لافتات مكتوب عليها شعارات ثورية.. «وشعاراتى اليوم تطالب بطرد السفير الإسرائيلى وغلق السفارة»، هكذا قال.
يقطع المشهد مجموعة من الشباب يوزعون بيانا على المعتصمين تحت اسم «أغيثوا غزة» يشرح محنة فلسطين، ويطالب بإلغاء اتفاقية الغاز «التى تخدم إسرائيل».
فى تمام الساعة الحادية عشرة ليلا، حضرت عربة إسعاف لنقل أحد المعتصمين وقع من أعلى «الكشك» الذى يوجد أمام مبنى السفارة، حيث كان يهتف، ثم جاءت عربة إسعاف ثانية لنقل معتصم آخر أصيب بحالة إغماء نتيجه الإرهاق من كثرة الهتافات، كما وصلت خمس عربات إسعاف وظلت بجانب المعتصمين تحسبا لأى إصابات.
وعند منتصف الليل حضر أحد المعتصمين وهو يمسك بيده «سنارة» بطول ٥ أمتار ويضع فوقها علم مصر، وقف على كوبرى الجامعة، حتى يرى الجميع العلم، ويجذب المارين على الكوبرى إلى الاعتصام.
ثم كانت الإثارة بوصول العشرات من أبناء الجاليات الليبية والسعودية والسورية إلى الاعتصام. الليبيون رقصوا فرحا بسقوط نظام القذافى وهتفوا «مرحا مرحا ليبيا رجعت لينا» و«يا قذافى يا قذافى إحنا قولنالك إمشى إمشى.. قبل ما تمشى زى أصحابك»، وتفاعل معهم الكثير من الجاليات الأخرى ثم تجمعوا وهتفوا تضامناً مع الشعب السورى، وأدى عصام عبدالعزيز، أحد المعتصمين، أغنية تضامناً مع الشعب السورى فى محنته تقول «على ده العونة على ده العون.. يسقط بشار ابن الملعونة.. يا بشار يا حرامى وين البترول وين المصارى»، وقد حركت هذه الكلمات شعور المعتصمين وجعلتهم يرددون شعارات «بشار يا بشار انت خلاص عليك الدور».
بعض المعتصمين رفعوا صورة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وبجانبها لافتات مكتوب عليها «فين كرامتنا»، «عاوزين كرامتنا زى أيام عبدالناصر»، ورددوا شعارات «يا عبدالناصر فينك فينك.. كرامتنا ضاعت من غيرك».
ثم بدأ الشاعر طارق محمود إلقاء قصائده على الحضور، وتفاعل معه أصدقاؤه وجذبوا الكثير من المعتصمين ليرددوا مع الشاعر: «يا صهاينة يا خبثة على إيه بتتباهوا.. هلعن معاهدتكو وهلعن نتنياهو.. دى بلدنا دى لينا من طابا لسينا.. وعمرنا مانسينا دم الشهيد يروى رمالك».
وعندما تجمع حوله الكثير من المعتصمين قام بإلقاء قصيدة قال عليها إنها أحدث ما كتب، وهى عن العمل البطولى لأحمد الشحات الشاب الذى نزع العلم الإسرائيلى من السفارة: «علمكم كان بيرفرف من الخوف فوق السماء.. طلع الشرقاوى الأسمر أبوعيون متبسمة خلع العلم الأزرق دليل الصهيونية، وحط علمنا الباسل وياه نسيم حرية»، وأثارت هذه القصيدة حماس المعتصمين ورددوا شعارات «المصرى بعد الثورة بيطير وبيطلع ع الحيط وغير كرامته مالهوش».
ودعا عدد من المتظاهرين إلى ضرورة تنظيم مليونية فى ميدان التحرير الجمعة المقبل تحت اسم «جمعة طرد السفير الإسرائيلى»، ولإنهاء التطبيع مع إسرائيل، واعترض عليهم الكثير من المعتصمين قائلين: «إذا أردنا أن نقوم بمليونية فستكون هنا أمام السفارة، لأن السفارة هى المقصودة».
عربات الفول كان لها نصيب من التواجد، توقفت إحداها أمام الشارع المؤدى للسفارة وأخرى على الجانب الآخر من الطريق، بينما توزعت خمس عربات وسط المعتصمين الذين تدفقوا عليها لتجهيز السحور قبل نفاد الكمية. المكان امتلأ أيضا بالباعة الجائلين من بائعى التمر والعرقسوس والترمس والذرة والمعجنات. البائعون ابتدعوا خدمة جديدة هى «التوصيل إلى المعتصم» عبر مجموعة من مساعديهم والعاملين معهم.
أحد الشباب فتح «اللاب توب» الخاص به وجهز «بروجيكتور» وقام بتشغيله وسط المعتصمين، وبدأ بعرض منوعات عن ثورة «٢٥ يناير» وشرح المساوئ والمطالب التى لم تتحقق، وكانت طريقة الشرح معقدة، مما جعل المعتصمين يطالبون بتغييرها وتشغيل شىء أبسط، وجذب هذا الشاب أغلب المعتصمين والكثير من المارة على كوبرى الجامعة.
ثم جاء إلى الاعتصام ائتلاف النهوض بالأزهر الشريف وعلى رأسهم الشيخ مظهر شاهين، ووضعوا لافتة كبيرة على أحد أعمدة الكهرباء مكتوباً عليها مطالبهم وهى «القصاص من اليهود وقطع جميع أنواع العلاقات مع الكيان الصهيونى وتعمير سيناء وانتشار الجيش المصرى فى جميع أنواعها، وأخيرا وقف الاعتداء الصهيونى على غزة وإعادة إعمارها»، وانتهت اللافتة بعبارة بارزة «لا للاعتذار الإسرائيلى.. نعم للقصاص».
وصعد الشيخ مظهر شاهين منصة خشبية قام الشباب بصنعها، وخطب فى المعتصمين وحثهم على استمرار مواقفهم، وأشار إلى الشهداء «بأنهم فى الجنة ويجب أن نفرح لهم مما نالوه من شرف الشهادة فى سبيل الله، ويجب أيضا أن نأخذ القصاص من القتلة وعدم التهاون وإرجاع كرامتنا التى ضاعت منذ عقود».
وبعد انتهاء الخطبة قام عبدالرحمن الدسوقى بقيادة مسيرة ذهبت إلى آخر كوبرى الجامعة ثم عادت ودارت حول تمثال نهضة مصر، ورددوا شعارات: «خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود» و«الجيش والشعب إيد واحدة» و«لا إله إلا الله.. الصهيونى عدو الله».
كما حضر أيضا ائتلاف خريجى وطلاب الحقوق والشريعة والقانون، ووضعوا لافتة أمام مبنى السفارة مكتوباً عليها مطالبهم وهى «إلغاء جميع المعاهدات بين مصر وإسرائيل وطرد السفير وإغلاق السفارة»، ثم صورة للمسجد الأقصى وتحتها مكتوب: «مش ناسى اللى حرقك يا مسجد يا أقصى».
مجموعة من المعتصمين وضعوا أيضا لافتة أسفل كوبرى الجامعة أمام مبنى السفارة بطول ٦ أمتار مكتوباً عليها «معتصمون حتى يتم طرد سفير الصهاينة»، ولافتة أخرى كبيرة على الجانب الآخر من الكوبرى مكتوباً عليها «الشعب يريد حق شهدائنا فى سيناء».
بعد ذلك جاء مجموعة من الشباب بدراجاتهم النارية وقام أحدهم بوضع علم مصر على دراجته، وأذاعوا أغانى وطنية لأم كلثوم وعبدالحليم، ثم بدأوا بالدوران فى حلقة دائرية على كوبرى الجامعة فتعطل المرو لنحو ١٥ دقيقة.
ثم جاء أحد المعتصمين بعلم إسرائيل ووقف وسط السيارات المارة على الكوبرى، وجعل السيارات تدوس عليه سيارة تلو الأخرى وظل هكذا لساعات.
ومن حين لآخر كان البعض من المعتصمين يذهب إلى مسجد «الرحمن» المتواجد فى الجهة الأمامية من السفارة الإسرائيلية، أسفل كوبرى الجامعة، للنوم بعض الوقت نتيجة الشعور بالإرهاق الشديد ثم العودة لإستكمال الاعتصام.
منذ الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل بدأ الكثير من الأسر المصرية التوافد للسحور وسط المعتصمين، وأجمعوا على أن «السحور هنا أحلى من البيت»، وأحضرت بعض الأسر وجبات معها وقامت بتوزيعها على الحضور، ثم قام مجموعة من الشباب يطلقون على أنفسهم «شباب ٣٠ فبراير» بتوزيع أكثر من ٥٠٠ وجبة سحور على المعتصمين، وكان كل مجموعة من الشباب عندما ينتهون من سحورهم يقومون بتنظيف مكانهم.
انتهى اليوم مع ارتفاع أذان الفجر، ذهب المعتصمون إلى مسجد الرحمن للصلاة، وصلى بعضهم أمام السفارة، ثم عاودوا الهتافات وبدأت الأعداد تقل تدريجيا. كثير من الموجودين قالوا إنهم سيذهبون إلى بيوتهم للاستراحة ثم معاودة الاعتصام.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]