الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مَثيلَ لَهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا أَعضاءَ ولا هيئةَ ولا صورةَ ولا شكلَ ولا مكانَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نبيًا من أنبيائِه.
الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا قَمَرَ الأَقْمَارِ ويا بَدْرَ الدُّجَى وَيَا حِبَّ رُوحِي وَفُؤَادِي ويا قُرَّةَ عَينِي يا مُحَمَّد.
فَحُرْمَتُها مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرورةِ فَمَنْ أَنْكَرَ حُرْمَةَ الخَمْرِ خَرَجَ مِنَ الإسلامِ لأَنَّهُ كَذَّبَ القُرْءَانَ وَالحَدِيثَ النبويَّ إلا أن يكونَ قَرِيبَ عهدٍ بإسلامٍ ما سَمِعَ قَبْلَ أن يُسْلمَ أنَّ المسلمينَ دينُهم تَحْرِيمُ الخمرِ فهذا إذا استَحَلَّها لا يَكْفُرُ لكن يُعلَّمُ يُقَالُ لَهُ الخَمْرُ فِي دِينِ الإسْلامِ حَرَامٌ فَإِنْ رَجَعْتَ وَقُلْتَ هِيَ حَلالٌ تَكفُر.
عبادَ اللهِ، إن الوعيدَ الذي وردَ في الحديثِ الصحيحِ في شاربِ الخمرِ وعيدٌ شديدٌ فقد قالَ صلى الله عليه وسلم: "قالَ لي جبريل: شاربُ الخمرِ كعابِدِ الوثَن" رواهُ البزَّار.
وهذا يدلُّ على أنَّها من أحرمِ الحرامِ، أي مجرد الشربِ من الكبائرِ ولكنها ليست كفرًا، ولا يصحُّ عن نبيٍّ من الأنبياءِ أنهُ شجَّعَ عليها.
البعض يفتري على سيدنا عيسى عليه السلام فيقولونَ إنهُ قالَ: "قليلٌ من الخمرِ يفرِّحُ قلبَ الإنسانِ".
وهذا كذبٌ وافتراءٌ لأن الأنبياءَ هم صفوةُ الخلقِ وأفضلُ الخلقِ لا يُشجِّعونَ على ما فيهِ إتلافُ العقلِ، كلُّ الشرائعِ من لَدُنْ ءَادَمَ إلَى سَيِّدِنا عيسى إلى سيدِنا محمدٍ مُتَّفِقونَ على وجوبِ حفظِ العقلِ، والخمرُ إتلافٌ للعقلِ، فلا يمكنُ أن يشجِّعَ نبيٌ على شربِها.
إخوة الإيمان، المرءُ على دينِ خليلِه فلينظُرْ أحدُكُمْ من يُخَالِل، فليَنْظُرْ أَحَدُكُم مَنْ يُصَاحِبُ، ولينظُرْ أحدُكم إلى ولدِه من يصاحبُ ولْيَخْتَرِ الواحِدُ منكمُ الصُّحبةَ الطيبةَ التي تصحبُهُ إلى الخيرَاتِ والبركاتِ إلى مَجْلِسِ عِلْمٍ إلى عِيَادةِ مريضٍ ونحوِ ذلك مِنَ الطاعاتِ، ولْيُبعِدْ أهلَه وأولادَه عن رُفَقاءِ السُّوءِ الذين قد يَصْحَبُونَه إلى أماكنِ الرَّذِيلَةِ والفَسادِ فبِسَبَبِ ذلك قد يُدمِنُ على شربِ الخمرِ أو على تعاطِي المخَدِّرَاتِ الْمُضِرَّةِ بِسَائِرِ أنواعِها فهذه أيضًا يَحْرُمُ تناوُلُها لِمَا فِيهَا مِنَ الضَّرَرِِ على الجسدِ فقد روى الإمامُ أحمدُ في مسندِه: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن كُلِّ مُسْكِرٍ ومُفتِرٍ"، والمفترُ هو ما يحدِثُ في الجسمِ والعينِ أثرًا، وقد سُئِلَ ابنُ حجرٍ الهيتميُّ المكيُّ عنِ الأفيونِ الذي يُجلَبُ من بعضِ البلادِ هل يَحْرُمُ أَكْلُه فَأَجابَ بقولِه: "أكلُ الأفيونِ حرامٌ".
وقد صَرَّحَ الأئمةُ بحُرْمَتِِه وَعَدُّوهُ مِنَ السُّمُومِِ الْمُخَدِّرةِ المُضِرَّةِ بِالعَقْلِ وَهَذا مُشاهَدٌ لا يَخْفَى على من له أدنَى ذَوْقٍ وَإِحْسَاسٍ.
إخوانِي لا يُشترطُ أن يكونَ الضَّياعُ والتِّيهُ فِي الشَّارِعِ واَلأَزِقَّةِ بل قد يَكُونُ الأَولادُ فِي الجامِعَاتِ ضَائِعِينَ وَفِي المدارِسِ تَائِهينَ ويلبسونَ الثيابَ الفاخرةَ ويأكلونَ الطعامَ اللذيذَ الفاخِرَ ولكنَّهم في حُكمِ الشَّرعِ يَكونُونَ تائِهينَ ضائِعين.