القدس-
من علي سمودي
- " الحرية قادمة وهي هدفنا السامي الذي ناضلنا وضحينا في سبيلها وما زلنا
صامدين نعتز برسالتنا ومبادئنا التي نتخلى عنها ، ومهما مارست اسرائيل من
اساليب ورغم التهديدات الامريكية الدولة والحرية والكرامة حقنا المشروع
ومعركتنا مستمرة حتى تحقيق ثوابتنا التي لا تنازل عنها حتى لو امضينا في
السجن الف عام "، بهذه الكلمات استهل الاسير مخلص احمد محمد برغال (49 عاما
) من مدينة اللد حديثه لمراسل
بمناسبة دخوله عامه ال25 في سجون الاحتلال الاسرائيلي الذي رفض الافراج
عنه وشطب اسمه من كل عمليات التبادل كاسرى الداخل والقدس والجولان السوري
المحتل .
في سجن"جلبوع " يستقبل برغال الذي يعتبر من عمداء وقادة
الحركة الاسيرة و اسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عامه الاعتقالي الجديد
، متسلحا بالثبات والعزيمة والارادة والمعنويات العالية ، مؤكدا " ان
سنوات الاعتقال ومحطات العذاب والمعاناة لم ولن تنال من عزيمة وارادة
الاسرى الذين اختاروا طريق الحرية والنضال ، درب الحكيم المؤسس جورج حبش
والامين العام الشهيد ابو علي مصطفى وكل قادة المسيرة الطويلة الشهداء
جيفارا غزة وغسان كنفاني وابراهيم الراعي الذين رسموا بدماءهم طريق النصر
في معركة الحرية التي ستتوج بالنصر والتحرير ".
امل الحرية المتجدد
برغال
الذي ولد في مدينة اللد في 2/3/1962 في اسرة فلسطينية مناضلة مكونة من 7
انفار ، وهو الخامس ما زال يتمسك بامل العودة رغم قيود السجن وشطب اسمه من
كل الصفقات،ويقول " على مدار 24 عاما ورغم الكثير من صور المعاناة والالم
وخاصة لوالدتي الصابرة ام محمد التي يعود لها الفضل في تربيتي وزرع روح
الانتماء للوطن والقضية ثم الصمود والتحدي والوفاء خلال رحلة الاعتقال ،
طوال تلك السنوات لم نفقد الامل ولم نشعر بلحطة ضعف او وهن ، وحتى عندما
كانت تتالى الصفقات والافراجات ونواجه الشطب والاستثناء ورفض الافراج عنا
كوننا من الداخل ، لم نتراجع او نتخلى عن اهدافنا ومبادئنا التي تسري في
عروقنا كما الدم ، فنحن اخترنا طريق النضال ولم ولن نندم ،ولو اردنا
الاستجداء والتراجع لما بقينا طوال هذه الفترة بالسجون او لما سرنا اساسا
في هذه الطريق المشرفة "، واضاف برغال يقول " واليوم لم ولن نستجدي احد من
اجل حريتنا ، كما ان القوى والفصائل وقيادة شعبنا مطالبة بان لا تتراجع عن
اعلان الدولة والاصرار على خوض هذه المعركة التي تستند لحقنا العادل
والمشروع ، فلم يبقى في العالم شعب تحت الاحتلال سوى شعبنا ، وعلى
المتباكين على حقوق الانسان والديمقراطية ان يتحرروا من التبعية والخضوع
للهيمنة الامريكية ودعم دولة الاستبداد والظلم اسرائيل ، الدولة حقنا ومهما
كانت التحديات والمصاعب والتهديدات فلم يبقى اسلوب الا ومارسته اسرائيل
لشطب شعبنا من الوجود ، ووجودنا مشروعنا ولن نتخلى عنها وحتى في ظل الفيتو
الامريكي فهو اختبار للعالم وقوانينه وتشريعاته فاما ان يحافظ عليها او
يعلن دفنها اذا بقيت امريكا سيدة الموقف المدافع الوحيد عن اسرائيل ،
فالمهم ان ننتزع شهادة ميلاد الدولة الفلسطينية وعدم التراجع عنها".
ربيع الشعوب العربية
الاسير برغال، الذي اعتقلته اسرائيل
11/9/1987 بتهمة تنفيذ عملية فدائية "للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" ،
يشعر بامل كبير بعد الحراك العربي الذي يسود دول الجوار مبشرا بربيع
مشرق،ويقول " نتطلع باهتمام وترقب لشمس الحرية وهي تشرق في محيطنا العربي
من مصر وتونس واليمن حتى سوريا وليبيا لكي تنتصر لقضيتنا وتضمد جرح فلسطين
النازف وتحدث التغيير المطلوب الذي انتظرناه طويلا بعدما كان لكثير من
الحكم دور في التامر على قضية شعبنا ومشروعنا الوطني ، ورغم اننا اعتقدنا
في البداية انه حلم ولكنه اليوم اصبح حقيقة بسقوط انظمة الظلم والاستبداد
لتقود الشعوب واحزابها الوطنية والثورية مسيرة الغد العربي المشرق الذي
نعتبر دعما واسنادا لفلسطين "، واضاف " اننا كاسرى ننتظر ونترقب وكلنا
تفاؤل و ثقة بالمستقبل لان ربيع العرب بدا يمتد وينتشر ويكسر حواجز الخوف
ويحرر المضطهدين من التبعية والاتفاقات المذلة والمهينة والهيمنة والخنوع
لسياسة امريكا واسرائيل ، املين ان نحصد النتائج في بناء منظومة عربية
جديدة ملتزمة بقضايا شعوبها واهدافها وتناضل في سبيل القضية والحرية لشعبنا
واقامة الدولة الفلسطينية المستقله وعاصمتها القدس الشريف ".
الوحدة الوطنية
برغال
المحكوم بالسجن المؤبد ، والذي تنقل بين كافة السجون ورحل والده دون وداعه
، وما زالت والدته تتجرع الم وحسرة غيابه ، يعتبر الهم الفلسطيني شغله
الشاغل ، فرغم محاولات اسرائيل فصل اسرى الداخل عن الحركة الوطنية الاسيرة
فانه رفض وقاوم ذلك وخاض مع رفاقه الاسرى كل معارك المواجهة مع ادارة
السجون ،مؤكدا كما يقول " وحدة الهدف والقضية والهوية والانتماء والحلم
والرسالة ، لذلك اثبتنا دوما انه لا فرق بين اسرى الداخل واخوانهم في
الحركة الوطنية الاسيرة بل نحن واحد وجزء لا يتجزا من الشعب الفلسطيني
ومعركته ونضاله ، وكان المطلوب من القوى وخاصة حركتي فتح وحماس ان تتعلمان
من هذه التجربة المشرفة لوحدة الكل الاعتقالي رغم كل الظروف في استعادة
الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام "، واضاف:"ما زال املنا كبيرا بتجاوز
الصفحة السوداء المؤلمة في تاريخ القضية الفلسطينية ونرفض أي خيار غير
تطبيق اتفاق المصالحة فورا ، لان المستفيد الاول والاخير من هذه الكارثة
التي تحزننا وتؤلمنا وتسبب جرحا كبيرا لنا هو الاحتلال وسياسة حكومة
المستوطنين ، بكل وفاء وتحدي نوجه رسالة واضحة للجميع بضرورة الارتقاء
لمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم ولمستوى التحديات العظيمة التي قدمها
شعبنا وفي مقدمته الشهداء لطي صفحة الانقسام فورا والشروع في خطوات عملية
لتنفيذ اتفاق المصالحة واعادة ترميم المشروع الوطني والثقافة الوطنية
والثبات والصمود لشعبنا بدأ من شبابه وحتى أخر قادته ،و لا ابالغ ان قلت
ان المساحة الشخصية تقصلت الى درجة قصوى ولم تعد تحتل حيز يذكر أثر على هذه
الانتصارات الجماعية ".
قضية الاسرى
منذ اعتقاله ، شطبت
اسرائيل اسم مخلص من كل الصفقات والافراجات وفرضت بحقه كل اشكال العقوبات ،
واصيب بالامراض جراء الاهمال الصحي المتعمد ، ولم يبقى سجن الا واحتجز فيه
ورغم ذلك يصر على الصمود وهو يمضي عاما اخرا في رحلة اعتقاله المستمرة ،
ويقول " الصمود ثم الصمود هو دربنا وطريقنا ، ولكن يؤلمنا ان تبقى اسرائيل
تتحكم بمصير الاسرى القدامى وفي مقدمتهم الداخل والقدس ، فقضية الاسرى
تاريخيا للاسف تعتبر صفحة سوداء في سجل الثورة الفلسطينية ، والمحزن بالامر
اننا بسبب عجزنا حولنا هزيمتنا الى نصر كما اعتادت الانظمة العربية ان
تفعل ،واصبحنا نفتخر بوجود اسرى يعدو بالمئات تجاوزوا مدة العشرين عام في
سجون الاحتلال، ورغم اعتزازنا بصفحات النضال المشرقة لكن اصبح من الضروري
البحث عن ادوات واساليب جديدة لقلب المعادلة والتغيير على الارض بما يحقق
تحرير كل الاسرى واسقاط المعايير الاسرائيلية "، واضاف " وبالرغم من تاثرنا
والمنا للواقع ، لكن لا ننسى للحظة ونقدر عاليا التضحيات التي قدمت في
سبيل أسر جندي الاحتلال واول من يستحق منا التحية والاجلال هم الشهداء
وامهات الشهداء، ونحن نحترم ونقدر عاليا ما قامت به قوى المقاومة في
القدرة على انجاح عملية الاسر والاحتفاظ الجدي بكل هذه الفترة بالجندي
الماسور ولكن نؤكد ضرورة التمسك بالمطالب العادلة وفق المعايير والاعراف
التي تبنتها عملية الصراع الطويلة بين شعبنا والكيان الاحتلالي حتى تتغير
المعادلة وتحطم القيود وتبييض السجون ".
اسرى الداخل
العقاب القاسي فرضت اسرائيل في كل الصفقات على اسرى الداخل والقدس والجولان
والذي رفضت بحث مسالة الافراج عنهم واستثنتهم ، ولكن برغال وبلسانهم
جميعا ينظر بتفاؤل لاحداث التغيير المطلوب في الصفقة القادمة رغم تضارب
الاخبار واشارتها كما يقول " لامكانية التخلي عن بعض مركبات الصفقة (اسرى
القدس و 48 ) والجولان السوري المحتل ، ولكن ثقتنا عالية ان لا تسمح قوى
المقاومة لاسرائيل فرض معاييرها بتقسيم شعبنا وفق مصلحتها هي وبما يتنافى
مع حقيقة وحدة حال شعبنا ، ومن هنا تغلب في النهاية حالة التفاؤل بأن تثبت
قوى المقاومة المعايير الوطنية والنضالية والانسانية في عملية التبادل
المتوقعة ، ونحن كاسرى أكدنا منذ اللحظة الاولى على أهمية الانتباه الى هذه
المعايير ودائما قلنا اننا مستعدين ان نصبر سنين حتى نضمن تحقيق نصر حقيقي
وان لا يبقى جنودنا مصابين بالميدان، فالتجربة السابقة في 85 رغم ما
سجلته من انجاز تاريخي الا ان ابقاء 18 أسيرا على اثر تلاعب اسرائيلي قامت
به في أخر لحظة نتج عنه ابقاء هؤلاء 18 بجزئهم الاعظم حتى اليوم في السجن
وجزء أخر استشهد في السجن ، لذلك املنا ان لا يتكرر المشهد مجددا ،
والثبات حتى انجاز صفقة شاملة ، لانه لن يكون لها أي معنى دون كل القدامى
وفي مقدمتهم القدس والداخل والجولان والاسيرات والمرضى والاطفال جميعا دون
استثناء ".
امل الوالدة
وكنجلها فان الام الصابرة ليلى
برغال التي تجاوزت العقد الثامن تعيش على امل كسر المعايير الاسرائيلية
وعناق مخلص الذي تصفه بالبطل والمناضل والشجاع ، وتقول " اعيش لحظة بلحظة
اتحدى المرض والالم والمعاناة وسنوات الفراق والنفي والاعتقال لاني اسيرة
مع ابني حتى اراه حرا بلا قيود ، فقد امضى نصف عمره في السجن ، ورحل والده
وهو يتمنى عناقه "، واضافت " بين اعتقاله الاول الذي امضى فيه 3 سنوات ونصف
والثاني الذي يتم فيهما عامه ال 28 وما زال صامدا وما زال يبشرني بالامل
لذلك من اعماق قلبي والعمر يمضي اناشد كل حر شريف واسرى شاليط في مقدمتهم
ان لا يتنازلوا عن مخلص ورفاقه المخلصين ، لا اريد سوى عناقه وضمه لصدري
والفرح بزفافه فلا تخيبوا املي ".
في سجنه ، اصر مخلص على تحدي
المرض ومعيقات الاحتلال وواصل دراسته الجامعية وحصل على شهادة الماجستير
بامتياز في العلوم السياسية والتاريخ وحاليا يفكر بان يكمل دراسة
الدكتوراه .