يرْوي قاضي الموصِل يحيى بن يحيى الغسَّاني،
يقول: (بينما عمر يطوف ذات يومٍ في أسواق حمص, يتفقَّد الباعة، ولِيَتَعَرَّف على
الأسعار, إذْ قام إليه رجلٌ, عليه برْدان أحمران قطريَّان, وقال: يا أمير المؤمنين،
لقد سمعتُ أنَّك أمرْت من كان مظلومًا أن يأتِيَك, فقال: نعم، وها أنا قد أتَيْتُكَ، وها
قد أتاك رجل مظلومٌ بعيد الدار، فقال عمر: وأين أهلك؟ فقال: في عَدَن، فقال عمر:
إنَّ مكانك من مكان عمر لبعيدٌ، ثمَّ نزل عن دابَّتِهِ, ووقفَ أمامه, وقال: وما ظلامتُكَ؟
فقال: ضَيْعَةٌ لي - بستان - وثَبَ عليها رجل مِمَّن يلوذون بك، وانْتَزَعَها مِنِّي، فكتَبَ
عمر كتبًا إلى عروة بن محمَّد واليه على عَدَن, يقول فيه:
أما بعد، فإذا جاءك كتابي هذا, فاسْمَع بيِّنَة حامِلِه, فإن ثبتَ له حقّ, فادْفَعْ له
حقَّه، ثمَّ ختَمَ الكتاب، وناولَهُ الرجل، فلمَّا همَّ الرَّجل بالانصراف, قال له عمر: على
رِسْلِك، إنَّك قد أتَيْتنا من بلدٍ بعيد، ولا ريْبَ في أنَّك اسْتنفذْتَ في رحلتك هذه زادًا
كثيرًا، وأخلقْتَ ثيابًا جديدة، ولعلَّه نفقَت لك الدابة، ثمَّ حسب ذلك كلَّه, فبلغَ ذلك
أحدَ عشر دينارًا, فدَفَعَها إليه، وقال: أَشِعْ هذا في الناس، قلْ للناس: إنّ عمر
أعطاني نفقة السَّفَر، حتى لا يتثاقلَ مظلومٌ عن رفْعِ ظُلامتِهِ بعد اليوم, مهما كان
بعيد الدار ..