الزانية والزاني اللذان لم يسبق لهما الزواج, عقوبةُ كل منهما مائة جلدة بالسوط, وثبت في السنة مع هذا الجلد التغريب لمدة عام. ولا تحملكم الرأفة بهما على ترك العقوبة أو تخفيفها, إن كنتم مصدقين بالله واليوم الآخر عاملين بأحكام الإسلام، وليحضر العقوبةَ عدد من المؤمنين; تشنيعًا وزجرًا وعظة واعتبارًا.
الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
الزاني لا يرضى إلا بنكاح زانية أو مشركة لا تُقِرُّ بحرمة الزنى، والزانية لا ترضى إلا بنكاح زان أو مشرك لا يُقِرُّ بحرمة الزنى, أما العفيفون والعفيفات فإنهم لا يرضون بذلك، وحُرِّم ذلك النكاح على المؤمنين. وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب, وكذلك تحريم إنكاح الزاني حتى يتوب.
والذين يتهمون بالفاحشة أنفسًا عفيفة من النساء والرجال مِن دون أن يشهد معهم أربعة شهود عدول, فاجلدوهم بالسوط ثمانين جلدة, ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا, وأولئك هم الخارجون عن طاعة الله.
والذين يرمون زوجاتهم بالزنى, ولم يكن لهم شهداء على اتهامهم لهنَّ إلا أنفسهم, فعلى الواحد منهم أن يشهد أمام القاضي أربع مرات بقوله: أشهد بالله أني صادق فيما رميتها به من الزنى, ويزيد في الشهادة الخامسة الدعوة على نفسه باستحقاقه لعنة الله إن كان كاذبًا في قوله.
وبشهادته تستوجب الزوجة عقوبة الزنى، وهي الرجم حتى الموت، ولا يدفع عنها هذه العقوبة إلا أن تشهد في مقابل شهادته أربع شهادات بالله إنه لكاذب في اتهامه لها بالزنى، وتزيد في الشهادة الخامسة الدعوة على نفسها باستحقاقها غضب الله، إن كان زوجها صادقًا فى اتهامه لها، وفي هذه الحال يفرق بينهما.
ولولا تفضُّل الله عليكم ورحمته- أيها المؤمنون- بهذا التشريع للأزواج والزوجات، لأحلَّ بالكاذب من المتلاعنين ما دعا به على نفسه، وأن الله تواب لمن تاب مِن عباده، حكيم في شرعه وتدبيره.
إن الذين جاؤوا بأشنع الكذب، وهو اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالفاحشة، جماعة منتسبون إليكم - معشر المسلمين- لا تحسبوا قولهم شرًّا لكم, بل هو خير لكم، لما تضمن ذلك مِن تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها والتنويه بذكرها, ورفع الدرجات، وتكفير السيئات، وتمحيص المؤمنين. لكل فرد تكلم بالإفك جزاء فعله من الذنب، والذي تحمَّل معظمه، وهو عبد الله بن أُبيِّ بن سلول كبير المنافقين- لعنه الله- له عذاب عظيم في الآخرة، وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار.
حين تتلقفون الإفك وتتناقلونه بأفواهكم، وهو قول باطل، وليس عندكم به علم، وهما محظوران: التكلم بالباطل، والقول بلا علم، وتظنون ذلك شيئًا هيِّنًا، وهو عند الله عظيم. وفي هذا زجر بليغ عن التهاون في إشاعة الباطل.
وهلا قلتم عند سماعكم إياه: ما يَحِلُّ لنا الكلام بهذا الكذب, تنزيهًا لك - يارب - مِن قول ذلك على زوجة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كذب عظيم في الوزر واستحقاق الذنب.
إن الذين يحبون شيوع الفاحشة في المسلمين من قَذْف بالزنى أو أي قول سيِّئ لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم، وغيره من البلايا الدنيوية, ولهم في الآخرة عذاب النار إن لم يتوبوا، والله- وحده- يعلم كذبهم, ويعلم مصالح عباده، وعواقب الأمور، وأنتم لا تعلمون ذلك.
ولولا فَضْلُ الله على مَن وقع في حديث الإفك ورحمته بهم, وأن الله يرحم عباده المؤمنين رحمة واسعة في عاجلهم وآجلهم, لما بيَّن هذه الأحكام والمواعظ، ولَعاجل مَن خالف أمره بالعقوبة.
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تسلكوا طرق الشيطان، ومَن يسلك طرق الشيطان فإنه يأمره بقبيح الأفعال ومنكراتها، ولولا فَضْلُ الله على المؤمنين ورحمته بهم ما طَهُرَ منهم أحد أبدًا مِن دنس ذنبه، ولكن الله- بفضله- يطهر من يشاء. والله سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم وأفعالكم.
ولا يحلف أهل الفضل في الدين والسَّعَة في المال على ترك صلة أقربائهم الفقراء والمحتاجين والمهاجرين، ومنعهم النفقة؛ بسبب ذنب فعلوه, ولْيتجاوزوا عن إساءتهم، ولا يعاقبوهم. ألا تحبون أن يتجاوز الله عنكم؟ فتجاوزوا عنهم. والله غفور لعباده، رحيم بهم. وفي هذا الحثُّ على العفو والصفح، ولو قوبل بالإساءة.
إن الذين يقذفون بالزنى العفيفات الغافلات المؤمنات اللاتي لم يخطر ذلك بقلوبهن، مطرودون من رحمة الله في الدنيا والآخرة, ولهم عذاب عظيم في نار جهنم. وفي هذه الآية دليل على كفر من سبَّ، أو اتهم زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بسوء.
في هذا اليوم يوفيهم الله جزاءهم كاملا على أعمالهم بالعدل، ويعلمون في ذلك الموقف العظيم أن الله هو الحق المبين الذي هو حق, ووعده حق، ووعيده حق، وكل شيء منه حق، الذي لا يظلم أحدًا مثقال ذرة.
كل خبيث من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مناسب للخبيث وموافق له, وكل طيِّب من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مناسب للطيب وموافق له, والطيبون والطيبات مبرؤون مما يرميهم به الخبيثون من السوء، لهم من الله مغفرة تستغرق الذنوب، ورزق كريم في الجنة.
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأذنوا أهلها في الدخول وتسلموا عليهم وصيغة ذلك من السنة: السلام عليكم أأدخل؟ ذلكم الاستئذان خير لكم ؛ لعلكم تتذكرون- بفعلكم له- أوامر الله، فتطيعوه.