تسارع وتيرة الحياة وكثرة الضغوطات التي أصبحنا نعيشها هذه الأيام .. إضافة إلى الكم الكبير من المتغيرات والأحداث التي قد تطرأ على حين غرة توحي وتؤكد أننا نعيش عصر السرعة الذي يقتضي أن تكون خطواتنا مواكبة لتقدم العصر ومرور الوقت ...
لذا أضحى من اللازم والمتعين علينا كجزء من هذه الدورة البشرية الدقيقة أن نجعل خطواتنا وقراراتنا منسجمة مع هذا الواقع الفعلي الذي لامناص منه ..
ولكن وفي ذات السياق .. يحدث وللأسف في مجتمعاتنا خلط كبير وفهم خاطئ لحقيقة المبدأ المذكور أعلاه .. وهذا الخلط الكبير والتفاعل السلبي مع ما سبق هو بالأساس وليد العوز الشديد في ثقافة استراتيجية التعامل مع الأمور بشمولية ودقة ...
فبالتالي انحصرت زاوية الرؤيا في إطار محدد يعنى بالتنفيذ ولا شيء غير التنفيذ قبل فوات الآوان مخافة من إضاعة الفرصة أو التواني والرغبة في الحسم المبكر في الغالب الأعم من الحالات ..
تلك النظرة القاصرة .. ولدت ثقافة مفعمة بالارتجالية التي أضحت ملازمة لكثير من مناحي حياتنا ومجريات أمورنا ..
فغدت الارتجالية السمة الأبرز لما يحدث في مجتمعاتنا من قرارات إصلاحية وخطط تنموية .. بل وحتى وصل الأمر إلى ما يختص بعلاقاتنا الاجتماعية والأسرية ..
فالمشاريع التنموية والحملات التوعية على سبيل المثال لا الحصر .. تعتمد في مجملها على تكتيك العلاج المؤقت والتخدير الموضعي للمشكلة .. مما يؤدي إلى انقشاع التركيز بعد فترة وجيزة من الزمن وهي الفترة المحددة لهذا المشروع أو الحملة .. ومع الوقت تبدأ النار بالاشتعال تحت الرماد بصورة أكبر وبخطورة أشد وبالتالي تتفاقم المشكلة من جديد وتعاود الظهور وكأن شيئاً لم يكن بسبب غياب الخطة المثالية للتعامل مع الموضوع من جميع جوانبه المطلوبة...
ذلك التعجل في اتخاذ القرارات والشروع في التنفيذ يؤدي بالضرورة إلى استنزاف الموارد بشكل خاطئ لغياب النجاعة المطلوبة وعدم تحقيق الهدف المرجو من الفكرة ..
من ناحية أخرى .. وعلى نحو مغاير لما يحدث عندنا يتضح المقال بمثال مضاه .. وكما يقال ))بضدها تعرف الأشياء )) ..
عندما نتأمل في النهضات الحديثة في شتى دول العالم نجد أن القاسم المشترك فيها هو المنهجية السليمة في التفكير .. والوقت الكافي للتحليل العميق للفكرة قبل النزوع إلى ناحية التنفيذ ... حيث تستغرق الأبحاث الجادة والنقاشات الموضوعية حول الفكرة الكثير من الوقت الذي يكفل في المستقبل تنفيذاً جيداً للفكرة مما يضمن عدم إهدار المزيد والأضعاف المضاعفة من الوقت الثمين في إعادة هيكلة وإصلاح الأخطاء المستجدة مما يؤثر سلباً على المنظومة التطويرية بشتى نواحيها كماً وكيفاً .. جهداً ومالاً ..
حتى فيما يتعلق بالأمور الشخصية المتعلقة بعلاقتنا ببعضنا البعض كأفراد نجد أن التسرع في الأحكام والإعتماد على البديهيات يأخذ شأواً كبيراً من نمط تعاملنا مع اتخاذ القرارات المصيرية ..
فترانا نميل إلى حل مشكلاتنا الأسرية على سبيل المثل .. من خلال قطع الطريق أمام الحوار الجاد في حيثيات المشكلة والتعامل بديكتاتورية مع الأمر .. أو حتى بالتورية والتغطية وذر الرماد في العيون بغية الضحك على أنفسنا وإيهام ذواتنا بانتهاء المشكلة .. ولكن الذي يحدث بالضبط هو التعامي عن المشكلة مما يسمح لها بالتأجج ..
إذاً .. كيف هو السبيل إلى الوصول إلى الغاية المنشودة من الاستثمار الأمثل للوقت .. ومواكبة تسارع الأحداث .. وفي ذات الوقت تحقيق الأهم من الموضوع وهو التطوير الفعلي والحسم السليم لأمورنا العالقة .. ؟
حسب رأيي الشخصي .. لابد أن يكون لنا أسلوب ممنهج يسير على خطى واضحة في التعامل مع المشكلات والطوارئ التي من الممكن أن تستجد يوماً بعد يوم بحيث تتعامل مع الموضوع من جذوره وتحيط بجوانبه المختلفة .. وفي ذات الوقت لابد من توقع الأسوأ كي نتهيأ له قبل حدوثه دون الاعتماد المبالغ فيه على الاجتهادات التي ربما تصيب وربما تخطئ ..
كما .. ولابد من محاولة جادة في مجال تنظيم الوقت والبداية المبكرة .. بدلاً من التعامل مع الموضوع في اللحظة الأخيرة بغية التغيير والتدارك على غرار أفلام الأكشن وهو ما يصعب حدوثه أو يستحيل حتى على أرض الواقع ..
همسة :: فاخرت إحدى الشجيرات الموسمية جارتها شجرة الصنوبر فقالت لها : إن الطريق الذي تقطعينه في سنين .. أقطعه أنا في أسبوعين .. فقالت لها شجرة الصنوبر : إذاً فانتظري حتى هبوب رياح الخريف ... فأينا بقي فله الفخر!! ..