واصل العشرات اعتصامهم لليوم الخامس على التوالى، أمام السفارة الإسرائيلية للمطالبة بطرد السفير، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، فيما وقعت اشتباكات ظهر أمس بين المعتصمين ومجموعات ترغب فى فض الاعتصام.
بدأت الأزمة بعد اختلاف فى وجهات النظر حول مصير الاعتصام، وانقسم الحضور إلى فريقين، الأول يرى ضرورة فض الاعتصام ويعتبره غير مجد، خصوصا بعد تراجع الأعداد، وغياب جميع الحركات السياسية، فى حين أصر آخرون على البقاء، ووقعت الاشتباكات التى بدأت كلامية ثم تصاعدت إلى أن وصلت إلى اشتباكات بالأيدى نتج عنها إصابة شخصين بكدمات وجروح سطحية.
وفى اليوم الخامس للاعتصام، والثالث بعد إسقاط العلم الإسرائيلى من أعلى السفارة الإسرائيلية وتثبيت العلم المصرى بدلا منه، تراجعت أعداد المعتصمين منذ مساء أمس الأول، حيث بدأ المعتصمون فى مغادرة الاعتصام حتى وصلت الأعداد فى موعد السحور وقبل صلاة الفجر إلى عشرات الأشخاص، وللمرة الأولى منذ بدء الاعتصام تخلو سماء ميدان نهضة مصر من الشماريخ والألعاب النارية.
وشهد الاعتصام، صباح أمس، غيابا تاما لجميع الحركات والقوى السياسية، وأبدى العديد من المعتصمين مخاوفهم من فشل الاعتصام، ومليونية الجمعة المقبل، التى أطلقوا عليها «جمعة طرد السفير الإسرائيلى وقطع العلاقات»، خاصة أنه لم تعلن حركة أو حزب سياسى عن تسيير المليونية حتى الآن.
من جانبها، خفضت القوات المسلحة أعداد حراستها المتواجدة أمام السفارة إلى النصف، حيث قامت بسحب مدرعاتها أعلى كوبرى الجامعة وأمام حديقة الحيوان، واكتفت بالإبقاء على ٦ مدرعات أمام السفارة، بالإضافة إلى مدرعتين فى الجهة الخلفية للسفارة.
بالمقابل، تمت زيادة أعداد قوات الأمن المركزى إلى الضعف حيث وصل عددها إلى ٢١ عربة بواقع ٢٥ جندياً لكل عربة، واصطفت السيارات بعيدا عن مبنى السفارة وميدان النهضة، وتم الإبقاء عليها على ضفاف كورنيش المنيل فى شارع وادى النيل.
«المصرى اليوم» التقت أحد جنود الأمن المركزى، الذى بدا فى حالة إعياء شديدة، وعند سؤاله عن سبب هذه الحالة بالرغم من عدم وجود اشتباكات مع المعتصمين، قال: إحنا عمرنا ما بنزعل من الشباب، والمتظاهرين دول إخواتنا وأهلنا لكن الضباط اللى معانا، هما اللى بيحاولوا يخلونا نكرههم، فمنذ مجيئنا إلى السفارة ونحن نلقى معاملة مهينة جدا، والشتائم بالأب والأم.
ويضيف الجندى - الذى رفض ذكر اسمه - خوفا من التعرض لعقوبة: الضباط بيحاولوا يكرهونا فى المتظاهرين، وبيقولوا دول بيخربوا البلد ومش عارفين مصلحتها، ودول بيحصلوا على أموال من الخارج، وفى البداية كنا مصدقينهم ولكن بعد اللى سمعناه عن سرق ونهب البلد فى عهد مبارك، عرفنا إنهم بيضحكوا علينا، مشيرا إلى أن «هؤلاء الضباط لو ترك لهم الحبل على الغارب وطالوا الثوار أو المعتصمين كانوا ياكلوهم بأسنانهم» - حسب قوله.
وعن ردود أفعالهم تجاه المعاملة السيئة، قال الجندى: قررنا الشكوى إلى الجهات الأعلى، بعد واقعة كان بطلها زميلى، عندما بدأ يتحدث إلى والده ووالدته فى التليفون أثناء فترة الراحة خلف السيارة، وعندما شاهده أحد الضباط كسر التليفون، فأضربنا عن الطعام لمدة يوم كامل إلى أن جاء رئيس القطاع، وأجبر الضابط على شراء تليفون جديد بدلا من الجهاز الذى كسره.
وعلى الرغم من تراجع الأعداد فإن هناك بعض العائلات حضرت إلى الميدان وافترشت أعلى الكوبرى وتناولت سحور أمس، بجانب بعض الشباب، الذين قضوا ليلتلهم فى الغناء والنقاش مع جنود القوات المسلحة حول الوضع الحالى، وتراجع مصر عن سحب السفير، ومصير العلاقات بين مصر وإسرائيل، وانقسم الشباب بين مؤيد ومعارض للمجلس العسكرى.
وأعلى كوبرى الجامعة وفى الجهة المقابلة للسفارة، جلس سيد، بائع الإعلام، يحكى شكواه بسبب انخفاض حركة البيع التى لم تتجاوز ١٢ جنيها، وذلك بسبب انخفاض أعداد المتظاهرين.
وعلى الجانب الأيمن لكوبرى الجامعة جلس محمود، بائع الشاى الشهير، فى الاعتصام، وهو يمنح مشروبه الساخن مجانا لبعض المعتصمين، وبمقابل لمعتصمين آخرين، مفسرا ذلك بالقول إن المتظاهر الذى لا يحمل نقودا يعطيه الشاى مجانا، مؤكدا أن حصيلة مكسبه بعد انخفاض الأعداد لم تتجاوز ٢٠ جنيها، بخلاف الأيام السابقة التى كان يحصل فيها على ٤٠٠ أو٥٠٠ جنيه.
من جانبها، تجاهلت وزارة الأوقاف ضبط قنابل مولوتوف وأسلحة بيضاء فى مسجد الرحمة المواجه للسفارة الإسرائيلية أمس الأول بجوار كوبرى الجامعة بالجيزة بحوزة ٤ أشخاص، مكتفية بقرار إغلاق المسجد فى غير أوقات الصلاة.
وقال الدكتور محمد عبدالفضيل القوصى، وزير الأوقاف، لـ«المصرى اليوم» إن الوزارة ليس لديها علم بما حدث، وستتابع الأمر جيدا، وستقوم باستدعاء إمام المسجد لمعرفة ما حدث، وأسباب مغادرته المسجد دون متابعته ومعرفة هوية المعتصمين.
وأضاف: «ما حدث يعتبر انفلاتا داخل المسجد، وبالتالى لابد من الوقوف على الحقائق، ومعرفة ما حدث بالتفصيل قبل إصدار أى أمر أو عقاب للقائمين على المسجد».
وفى ساعات المساء من ليلة أمس الأول، واصل نحو ٢٠٠ من شباب الثورة بالقاهرة وعدد من المحافظات وأعضاء حركة ٦ أبريل وشباب أحزاب التحالف الشعبى وحزب التوحيد العربى وبعض الأسر - اعتصامهم أمام السفارة الإسرائيلية بالجيزة لليوم الرابع على التوالى، للمطالبة بطرد السفير الإسرائيلى من القاهرة - واستدعاء السفير المصرى من تل أبيب، وقطع العلاقات المصرية - الإسرائيلية بعد مقتل ٦ من رجال الأمن المصريين فى سيناء على أيدى قوات الجيش الإسرائيلى.
أدى المعتصمون صلوات المغرب والعشاء والتراويح أمام السفارة وسط حصار قوات الشرطة العسكرية لهم، التى زادت أعدادها بعد توافد المئات على السفارة وحرق الأعلام الإسرائيلية وإطلاق الشماريخ والصواريخ فى منتصف الليل.
وندد المتظاهرون بقيام نائب السفير المصرى بتل أبيب بتلبية دعوة الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز على العشاء فى نفس يوم مقتل الجنود المصريين على الحدود، الأمر الذى اعتبروه يمثل إهانة للشعب المصرى، الذى سالت دماء أبنائه، ويؤكد عدم إدراك المسؤول حجم المسؤولية التى تقع عليه فى مثل هذه الحالات، وطالبوا باستدعاء نائب السفير إلى القاهرة وفتح تحقيق معه، وإعلانه للرأى العام.
وعلى طريقة القذافى، واصل المعتصمون هتافاتهم للتنديد بالاعتداءات الإسرائيلية ومنها: «زنقة زنقة ودار دار.. إسرائيل هتولع نار»، و«من أنتم.. أعداء مجرمين قتلة وسفاحين»، ورفعوا لافتات: «الشعب يريد القصاص»، و«يا صهيونى يا سفاح..
زمن الذل عدى وراح»، و«لنجيب حقهم.. لنموت زيهم»، وحملوا بعض الصور للقتلى والأسرى المصريين فى الحروب المصرية - الإسرائيلية وكتبوا أسفلها «حتى لا ننسى دماء قتلانا وأسرانا»، فيما عبرت بعض الصور عن السخرية وعلى سبيل المثال قيام بعض المتظاهرين بحمل لافتات رسم عليها توك توك ورشاش آلى وكتب أسفلها: «يا يهود يا يهود.. ممكن بالتوك توك أعدى الحدود».
وأصدر المعتصمون بياناً موجهاً إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة والدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء، يحمل ٥ مطالب لفض اعتصامهم أمام السفارة الإسرائيلية، وهى: طرد السفير الإسرائيلى بالقاهرة واستدعاء السفير المصرى فى تل أبيب، ومراجعة بنود اتفاقية السلام مع إسرائيل بما يسمح بتعزيز القوات المصرية على الحدود، وإلغاؤها فى حالة رفض إسرائيل التعديلات، بالإضافة إلى وقف ضخ الغاز المصرى إلى إسرائيل والحظر النهائى للتعاون الاقتصادى بين البلدين، والتعهد الجاد من قبل الحكومة بدعم مشروعات تنمية سيناء، والعمل على توطين أهلها باعتباره الحل الوحيد لمنع الأطماع الإسرائيلية على الحدود المصرية.
وطالبت لجنة الشباب والعمل الجماهيرى بحزب التحالف الشعبى فى بيان وزعته، أمس الأول، على المتظاهرين، بتعديل بنود الملحق الأمنى فى اتفاقية السلام المصرى - الإسرائيلى، بما يضمن السيادة الكاملة لمصر على سيناء، والوقف الفورى لكل أشكال التطبيع مع الدولة الصهيونية.
واستنكر البيان رد الفعل الرسمى من المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة الانتقالية ووصفه بـ«الضعف الشديد والمخزى» الذى اعتدناه من النظام السابق، مشيراً إلى أن الموقف الشعبى كان الأقوى والمناسب لحجم الحدث.